فصل أحوال القيامة:
  وجوابنا، أن ما قدمناه من الدلالة يدل على العذاب ولا بد له من معذب، ثم إن المعذب يجوز أن يكون هو اللّه تعالى ويجوز أن يكون غيره، هذا في العقل.
  غير أن السمع ورد بأنه يكل ذلك إلى ملكين: يسمى أحدهما منكرا والآخر نكيرا، ولا شيء في ذلك مما يدعونه علينا، لأن هذا بمنزلة غيره من الألقاب التي لاحظ لها في إفادة المدح والذم والثواب والعقاب، وهو جار على طريق العرب وتسميتهم أبنائهم وأعزتهم بالصخر والكلب والذئب وغير ذلك من غير أن يفيدوا به مدحا ولا ذما، بل لكي يقوم مقام الإشارة على ما هو موضوع التلقيب. وعلى أنا لو جعلنا هذا الاسم من الأسماء المفيدة، فإنه ليس يفيد قولنا منكر أكثر من أن الغير لا يعرفه، وبأن لا يعرف شخص من الأشخاص ملكا من الملائكة لم يدخل الملك في استحقاق الذم، وهكذا في قولنا نكير، فإنه فعيل بمعنى مفعل، وفعيل بمعنى مفعل شائع، قال الشاعر:
  وقصيدة تأتي الملوك حكيمة
  أي محكمة، فهذه طريقة القول في هذا الفصل.
فصل أحوال القيامة:
  وقد اتصل بهذه الجملة الكلام في أحوال القيامة، وما يجري هناك من وضع الموازين والمسألة والمحاسبة وإنطاق الجوارح ونشر الصحف، وما جرى هذا المجرى.
  وجملة ذلك أن كل هذه الأمور حق يجب اعتقاده والإقرار به.
  أما وضع الموازين، فقد صرح اللّه تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ}[الأنبياء: ٤٧]. وقوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ}[المؤمنون: ١٠٢] الآية، إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن هذا المعنى، ولم يرد اللّه تعالى بالميزان إلا المعقول منه المتعارف فيما بيننا دون العدل وغيره على ما يقوله بعض الناس، لأن الميزان وإن ورد بمعنى العدل في قوله: {وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ}، فذلك على طريق التوسع والمجاز، وكلام اللّه تعالى مهما أمكن حمله على الحقيقة لا يجوز أن يعدل به عنه إلى المجاز.