شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

كيف يكون الحال لو لم يثب الله من استحق الثواب:

صفحة 432 - الجزء 1

  يزيد هذه الجملة وضوحا، أن العقلاء يستحسنون ذم من لم يرد الوديعة مع الإمكان وزوال الأعذار، إذا علموا ذلك من حاله، وإن لم يخطر ببالهم شيء آخر، فلو لا أن الإخلال بالواجب جهة في استحقاق الذم، وإلا كان لا يجوز ذلك، لأن العلم بحسن ذمه يتفرع على العلم بما يستحق عليه الذم وهم لا يعلمون شيئا آخر سوى إخلاله بما وجب عليه من إزاحة العلة والتمكين، صح ما اخترناه من المذهب.

  وأما أبو علي فقد بينا مذهبه ذلك على أصل قد حكيناه عنه غير مرة، وهو استحالة خلو القادر بالقدرة عن الأخذ والترك، وذلك أصل قد ثبت عندنا فساده، وأشرنا إلى طريقة القول في إفساده.

  حيث بينا أن أحدنا مع علمه بتصرفات الناس في الأسواق قد لا يريدها ولا يكرهها، فقد خلا من الأمرين جميعا، ففسد أصله هذا، وفساد الأصل يؤذن بفساد ما بنى عليه، لأن فساد الأصل يؤذن بفساد الفرع لا محالة.

كيف يكون الحال لو لم يثب اللّه من استحق الثواب:

  وكذلك فقد ذكرنا أن القديم تعالى إن لم يثب من استحق الثواب، كيف يكون الحال.

  ومن خالف في ذلك فقد تعلق بوجوه:

  منها، هو أن مذهبكم هذا يضارع مذهب جهم، حيث جوّز أن يعاقب العبد على ما لا يتعلق به أصلا، بل حالكم أسوأ من حاله لأن أكثر ما جوّزه أن يعاقب العبد على ما لا يتعلق به، فأما أن لا يكون هناك فعل ينصرف إليه استحقاق الذم والعقاب فلا، وأنتم قد جوزتم أن يذم ويعاقب وإن لم يكن هناك فعل ولا كف ولا أخذ ولا ترك ولا صغيرة ولا كبيرة، وذلك أدخل في الجهالة من قول جهم.

  وجوابنا، أنك إن أردت بما أوردته أنا نجوز ذم من يستحق الذم أصلا فليس كذلك، إن إخلاله بالواجب جهة استحقاق الذم معقوله على ما بيناه، وإن أردت به أنا جوزنا أن يذم المرء ويعاقب لا على فعل فذلك مجاب إليه وهو الذي اتخذناه مذهبا فما الذي يبطله، وهل هذه الطريقة إلا الطريقة التشنيع الذي لا يعجز عنه عاجز؟

  ثم الفرق بيننا وبينه هو أنه جوز أن يعاقب المرء على ما لا يتعلق به، ولا بدواعيه البتة، بل على ما لا يقدر عليه ولا يطيقه أصلا، وليس كذلك حالنا، فإنا إنما