صفات الرسول
صفات الرسول
  وجملة ذلك، أن الرسول لا بد من أن يكون منزها عن المنفرات جملة كبيرة أو صغيرة. لأن الغرض بالبعثة ليس إلا لطف العباد ومصالحهم، وما هذا سبيله فلا بد من أن يكون مفعولا بالمكلف على أبلغ الوجوه، ومن ذلك ما ذكرنا من أنه تعالى لا بد من أن يجنب رسوله # ما ينفر عن القبول منه لأنه لو لم يجنبه عما هذه حاله لم يقع القبول منه، ولأن المكلف لا يكون أقرب إلى ذلك إلا على ما قلناه، فيجب أن يجنبهم اللّه تعالى عن سائر ما له حظ في التنفير.
  ولذلك جنب اللّه تعالى رسوله # عن الغلظة والفظاظة، وذكر علته فقال: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: ١٥٩].
  وإذا قد صح لك ما قلناه، فقد ثبت أنه لا يجوز على الأنبياء الكبيرة لا قبل البعثة ولا بعدها، خلافا لما يقوله أهل الحشو ويجري في كلام أبي علي في مواضع، فإن كلامه في مواضع يقتضي أنه يجوز على الأنبياء الكبيرة قبل البعثة، وإن كان لا يجوز بعدها.
  فأما الحشوية، فقد جوزوا ذلك عليهم في الحالين، ويتمسكون في ذلك بأباطيل لا أصل لها، نحو قولهم: إن داود هم بامرأة أوريا وعشقها، ويوسف هم بامرأة العزيز كما همت هي به إلى غير ذلك. وفساد ذلك، قد دخل أثناء الكلام الذي قدمناه، فقد ذكرنا أن الرسول لا بد من أن يكون منزها عما ينفر عن القبول عنه، والكبائر كلها منفرة، فيجب أن يجنب اللّه تعالى رسوله عنها. يبين ذلك أن النفوس مطبوعة على القبول ممن لم يتدنس بالمعاصي ولا ارتكب شيئا من كبائرها، كما هي مطبوعة على أن لا تقبل، ممن يتعاطاها. فمعلوم أن الناس إلى قبول قول الحسن ولم يتدنس عندهم بمعصية قط، أقرب منهم إلى قبول قول الحجاج وكان يرتكب من الفواحش ما كان يرتكبه.
  فإن قيل: إن هذا يوجب عليكم تجويز الكبائر على الأنبياء قبل البعثة، فالمعلوم أن الناس إلى قبول قول الحجاج وقد تاب وأناب ورجع وأقلع يكونون أقرب منهم إلى قبول قول الحسن ولم ير قط إلا على الصلاح. وجوابنا، أنا لا نسلم ذلك، فإن الطباع على ما ذكرناه قبل، وكيف يمكن ذلك، ولو ادعى ضرورة أن الناس يكونون إلى القبول ممن صفته ما ذكرنا أقرب من القبول ممن كان يتعاطى الكبائر ويرتكبها أمكن أن الناس