شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الرد على من اعترض على دعوى الاضطرار

صفحة 57 - الجزء 1

  وجب ذلك في هذه الأجسام لتحيزها، والتحيز ثابت في الأجسام الغائبة، فيجب أن يكون هذا الحكم ثابتا هناك.

الرد على من اعترض على دعوى الاضطرار

  فإن قيل: كيف تصح دعوى الاضطرار فيه مع أنكم استدللتم على ذلك بأدلة؟

  فقلتم: إن الجسم لو حصل مجتمعا مع الوجوب لاستغنى عن جامع يجمعه، كما أن عدم الصوت في الحالة الثانية لما وجب عدمه استغنى عن معدم يعدمه، وكذلك وجوب القديم تعالى لما كان واجبا استغنى عن موجد يوجده، والمعلوم أنه لا يستغني عن جامع يجمعه. وكذلك فقد قلتم: إن الأجسام لو حصلت مجتمعة مع الوجوب لكان يجب أن يتأتى من أضعف القادرين منا الجمع بين جبلين بأن يصادف وقتا يجب اجتماعهما فيه، بل كان يجب أن يتعذر على أقوى القادرين منا التفريق بين ريشتين أو خردلتين بأن يصادف وقتا يجب اجتماعهما فيه، والمعلوم خلافه. قلنا: إنما كان ذلك منا على طريق الاستظهار والتأكيد، لا على طريق الاستدلال والاحتجاج.

  فإن قيل: وما المراد بقولكم: والحال واحدة والشرط واحد؟ قلنا: المراد بالحال التحيز، وبالشرط الوجود، وذلك ثابت في الحالتين جميعا.

  فإن قيل: ولم قلتم: إن الجسم إذا حصل مجتمعا في حال، كان يجوز أن يبقى مفترقا والحال واحدة والشرط واحدة فلا بد من أمر ثان ومخصص؟

  قيل له: إنما قلنا: ذلك لأننا نعلم ذلك بأدنى تأمل. وطريقة التأمل هو: أن الجسم إذا جازت عليه صفتان ثم خرجت إحداهما من الجواز إلى الوجوب، والأخرى من الجواز إلى الاستحالة، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه خرجت إحداهما من الجواز إلى الوجوب والأخرى من الجواز إلى الاستحالة، وإلا لم يكن بأن يحصل هكذا أولى من خلافه، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى على ما نقوله. وليس للخصم أن يطالب بعد ذلك بلم، لأنا قد أوردنا عليه طريقة النظر، فإن شاء أن يعلم فلينظر فيه.

  فإن قيل: ولم قلتم: إن ذلك الأمر ليس إلا وجود معنى؟ قلنا: إنه لا يخلو، إما أن يكون راجعا إليه، أو إلى صفاته، أو إلى غيره، لا يجوز أن يكون راجعا إليه وإلى صفاته، وإذا كان راجعا إلى غيره فلا يخلو، إما أن يكون تأثيره على طريقة التصحيح كتأثير الفاعل فيما يفعله، أو يكون تأثيره على طريقة الوجوب. لا يجوز أن