شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

المتكلم هو فاعل الكلام

صفحة 363 - الجزء 1

المتكلم هو فاعل الكلام

  والذي يدل على صحة ذلك، هو أن أهل اللغة لما اعتقدوا تعلق الكلام بفاعله سموه متكلما، ومتى لم يعتقدوا ذلك فيه لم يسموه به. وعلى هذا فإنهم أضافوا كلام المصروع إلى الجني، فقالوا: إن الجني يتكلم على لسانه، لما رأوا أن ذلك الكلام لا يتعلق به تعلق الفعل بفاعله، فلو جاز أن يقال في المتكلم إنه ليس هو فاعل الكلام، لجاز مثله في الشاتم والضارب والكاسر وغير ذلك، فالطريقة في الجميع واحدة، وإن كان البعض أظهر من البعض، وقد عرف خلافه.

  ويدل على ذلك أيضا، هو أن المتكلم لا يخلو، إما أن يكون متكلما لأنه فعل الكلام، أو لأن الكلام أوجب له حالة أو صفة، أو لأن الكلام حله أو بعضه، أو لأن الكلام أثر في آلته على معنى أنه نفى الخرس والسكوت عنه، أو لأنه موجود به، والأقسام كلها باطلة، فلم يبق إلا أن يكون المتكلم إنما كان متكلما لأنه فاعل الكلام على ما نقوله.

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المتكلم متكلما لأن الكلام أوجب له حالة أو صفة؟ قلنا: إنه لا حال للمتكلم بكونه متكلما، إذ لا طريق إليه، وإثبات ما لا طريق إليه بفتح باب الجهالات على ما مر.

  فإن قيل: إن هاهنا طريقا، فإن الواحد منا يفصل بين كونه متكلما وبين أن لا يكون متكلما، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه.

  قلنا إن هذه التفرقة إذا أمكن أن نرجع بها إلى أنه يفعل في إحدى الحالتين الكلام ولا يفعل في الحالة الثانية، لم يمكن أن نرجع به إلى ما ذكرتموه.

  ويدل على ذلك أيضا، هو أنه لو كان للمتكلم بكونه متكلما حال وصفة، لكان يجب أن يسبق العلم بتلك الحال قبل العلم بالكلام، كما في كونه عالما، فإن العالم لما كان له بكونه عالما حال، يسبق علمنا بكونه عالما على العلم بما يوجبه وهو العلم. وكذلك في المتحرك، فإن المتحرك لما كان له بكونه متحركا حالة وصفه، حصل العلم بكونه متحركا قبل العلم بالحركة، كذلك يجب مثله في مسألتنا، فكان يجب أن نعلم كون المرء متكلما وإن لم يخطر ببالنا الكلام، والمعلوم خلافه، فإنا ما لم نعلم تعلق الكلام به تعلق الفعل بفاعله لم نعلم كونه متكلما.

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المتكلم متكلما لأن الكلام حله أو حل بعضه؟