شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

المنافع مستحقة أو غير مستحقة

صفحة 48 - الجزء 1

  الانتفاع بها، فيجب أن تكون أول نعمة على ما ذكرناه.

الرد على من يقول: إن أول النعم هي الجملة التي يصير بها الحي حيا.

  فإن قيل: هلا كانت الجملة التي لا يصير الحي حيا إلا بها أول نعمة أنعم اللّه تعالى بها علينا، فإن الحياة مترتبة في الوجود عليها، قلنا: إن الجملة مما لا تأثير لها في صحة الانتفاع بها، وإنما الحياة هي التي تؤثر في ذلك. وأيضا فإن النعمة لا بد من تميزها من المنعم عليه، وهذه الجملة هي نفس المنعم عليها، فلا يجوز أن تكون نعمة، فضلا عن أن تكون أول نعمة.

الرد على من يقول: إن الشهوة أول النعم

  فإن قيل: أوليس المنافع مترتبة على الشهوة حتى لولاها لما صح الانتفاع البتة، قلنا: إنه وإن كان كذلك، إلا أن الشهوة تترتب على الحياة في الوجود، حتى لولا الحياة لما صح وجودها، فلذلك قلنا إن الحياة أول نعمة.

  ثم تكلم | في المنافع التي خلقها اللّه تعالى للحي ليعرضه لها.

  وجملة القول في ذلك، أن المنافع التي خلقها اللّه تعالى للحي ليعرضه لها ثلاث: التفضل، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله؛ والعوض، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال والثواب، وهو النفع المستحق على سبيل الإجلال والتعظيم.

المنافع مستحقة أو غير مستحقة

  ولك أن تورد هذه القسمة على وجه يتردد بين النفي والإثبات وتتضمن معاني هذه الألفاظ فتقول: إن المنافع الواصلة إلى الغير إما أن تكون مستحقة أو لا، فإن لم تكن مستحقة فهو التفضل، وإلا إن كانت مستحقة فلا يخلو؛ إما أن تكون مستحقة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض، وإن كانت مستحقة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأما التفضل فما من حي خلقه اللّه تعالى إلا وقد تفضل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان، والعوض يوصله اللّه تعالى إلى المكلف وغير المكلف، وأما الثواب فما لاحظ فيه لغير المكلف، والمكلف مختص باستحقاقه، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.