شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

خلاف المرجئة:

صفحة 408 - الجزء 1

  [الأنعام: ٣٨] ولا تفريط أعظم من الإتيان بما لا يمكن معرفة المراد به البتة، بل لا بد من انتظار القرينة، ويقال لهم أيضا: إن القرينة لا بد من أن تكون من قبيل الكلام، فبأي شيء يعرف المراد به؟ فلا بد من أن يقولوا: بظاهرة أو بقرينة أخرى، فإن جوزوا أن يعرف المراد بظاهره فهلا قالوا بذلك في القرآن حتى لا يحتاجوا إلى القرينة، وإن قالوا بقرينة أخرى أعدنا عليهم السؤال في تلك القرينة.

خلاف المرجئة:

  ومما يذكر هاهنا أيضا، خلاف المرجئة الذين أنكروا أن يكون للعموم لفظة موضوعة له. وقالوا: ليس يجوز في عمومات الوعيد أن تحمل على الشمول والاستغراق، فلا لفظة موضوعة لهذا المعنى.

  والكلام في ذلك يختص باب الوعد والوعيد، غير أنا نشير هاهنا إليه، فنقول: إن القائل إذا قال: من دخل داري أكرمته صح له أن يستثني أي رجل شاء، حتى إن شاء استثنى منه زيدا، وإن شاء عمرا، وإن شاء بكرا، أو خالدا، فلو لا أن هذه اللفظة موضوعة للعموم وإلا كان فيه الاستثناء على الحد الذي ذكرناه، لأن من حق الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته.

  والقوم، فقد أنكروا ألفاظ العموم وقالوا: لو كانت هذه الألفاظ موضوعة للعموم لم يصح استعمالها في الخصوص الذي هو نقيضه، فلما جاز ذلك دل على أنها غير موضوعة له البتة.

  وجوابنا، إن قدح هذا في أن يكون هذا اللفظ موضوعا للعموم ليقدحن أيضا في أن تكون العشرة موضوعة لهذا العدد المخصوص، فإن لك أن تقول: عليّ لفلان عشرة إلا درهما، فتكون قد أردت التسعة دون العشرة.

  ومتى قيل: فما وجه التأكيد فيه أن لو كان موضوعا للعموم؟ قلنا: إن التأكيد لا يقدح في عمومه، إذ لو قدح فيه ليقدحن أيضا في الخصوص، ومعلوم أن القائل كما يقول لقيت القوم أجمعين؟ فقد يقول أيضا: جاءني زيد نفسه، فليس إلا أن يعتمد ما قلناه.

  ومما يذكر في هذه الجملة أيضا، خلاف المرجئة إذا قالوا: ليس يجب أن تحمل عمومات الوعيد على عمومها، فمن الجائز أن يكون هاهنا شرط أو استثناء لم يبينه اللّه