شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أقسام المعروف:

صفحة 505 - الجزء 1

  وبعد، فكيف تصح هذه العبارة، مع أن الإباحة ليس المرجع بها إلا إلى تعريف المكلف حسن الفعل وأنه لا صفة له زائدة على حسنه، إما بخلق العلم الضروري أو بنصب الأدلة، فكيف يصح إباحة ما ليس بمباح.

  ومما يقوله أيضا: هو أنه قد ثبت أن الامتناع عن المنكر واجب، فيجب أن يكون المنع منه أيضا واجبا، لأنه لا فرق في قضية العقل بينهما.

  وجوابنا، لو كان الأمر على ما ذكرتموه، لكان يجب كما يمتنع القديم تعالى عن هذه القبائح أن يمنعنا عن ذلك ويضطرنا إلى خلافه، ومعلوم خلاف ذلك. فثبت بهذه الجملة أن الطريق إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هو السمع إلا في الموضع الذي ذكرناه، على ما يقوله أبو هاشم.

  والشرائط المعتبرة في هذا الباب قد ذكرناها في أول الكتاب، فمن استكمل تلك الشرائط لزمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن لم يستكملها لم يلزمه.

  واعلم أن بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا من حيث أن في الأمر بالمعروف يكفي مجرد الأمر به، ولا يلزمنا حمل من ضيعه عليه، حتى ليس يجب علينا أن نحمل تارك الصلاة على الصلاة حملا، وليس كذلك النهي عن المنكر فإنه لا يكفي فيه مجرد النهي عند استكمال الشرائط، حتى نمنعه منعا، ولهذا فلو ظفرنا بشارب خمر وحصلت الشرائط المعتبرة في ذلك، فإن الواجب علينا أن ننهاه بالقول اللين، فإن لم ينته خشّنا له القول، فإن لم ينته ضربناه، فإن لم ينته قاتلناه إلى أن يترك ذلك.

  واعلم أن مشايخنا أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب أن يفصل القول فيه فيقال:

أقسام المعروف:

  المعروف ينقسم إلى ما يجب، وإلى ما هو مندوب إليه، فإن الأمر بالواجب واجب، وبالمندوب إليه مندوب غير واجب، لأن حال الأمر لا يزيد على حال الفعل المأمور به في الوجوب.

المناكير ضرب واحد ولكنها تتنوع حسب المكلف:

  وأما المناكير فهي كلها من باب واحد في وجوب النهي عنها، فإن النهي إنما يجب لقبحها، والقبح ثابت في الجميع.