اليعقوبية والاتحاد
  وأما الثالث، فلأن القديم تعالى قد يريد ما لا يعلم المسيح ولا يعتقده ولا يظنه ولا يخطر بباله أصلا، وكذلك المسيح، يريد ما لا يريده اللّه تعالى كالأكل والشرب وغيرهما من المباحات، ففسد كلام النسطورية إذا قالوا بالاتحاد من جهة المشيئة.
اليعقوبية والاتحاد
  وأما اليعقوبية، فالكلام عليهم إذا قالوا بالاتحاد من جهة الذات، هو أن يقال لهم: لا يخلو الغرض بذلك من أحد وجوه ثلاثة: فإما أن يراد به أن ذات اللّه تعالى وذات المسيح صارا ذاتا واحدة، أو يراد به أنهما تجاورا، فحصل بينهما الاتحاد من طريق المجاورة، أو يراد به أنه تعالى حل بالمسيح، فاتحد به على هذا السبيل.
  والأقسام كلها باطلة.
  أما الأول، فلأن الشيئين لو صارا واحدا للزم خروج الذات عن صفتها الذاتية، أو حصول الذات الواحدة على صفتين مختلفتين للنفس وذلك مستحيل.
  وأما الثاني، فلأن المجاورة إنما تصح على الجواهر لأجل أنها من أحكام التحيز، ألا ترى أن العرض والمعدوم لما استحال عليهما المجاورة، فكذلك سبيل القديم تعالى، لأن التحيز مستحيل عليه. وعلى أن المجاورة لا تقتضي الاتحاد، فإن الجوهرين على تجاورهما لا يخرجان عن أن يكونا جوهرين، ولا يصيران جوهرا واحدا.
  وأما الحلول، فالمرجع به إلى الوجود بجنب الغير، والغير متحيز، واللّه تعالى يستحيل ذلك عليه لأنه يترتب على الحدوث، ويقتضي أن يكون من قبيل هذه الأعراض وذلك محال.
  وقد ثبت فساد ما يقوله النصارى في الاتحاد والتثليث جميعا.
  والذي أداهم إلى القول بالاتحاد، هو أنهم رأوا أنه ظهر على عيسى # من المعجزات ما لا يصح دخوله تحت مقدور القدر: نحو إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك، فظنوا أنه لا بد من أن يكون قد تغير وخرج عن طبيعته الناسوتية إلى طبيعة اللاهوتية، وذلك يوجب عليهم أن يقولوا بأنه تعالى متحد بالأنبياء كلهم، كإبراهيم وموسى وغيرهما $، فقد ظهرت عليهم الأعلام المعجزة التي لا يدخل جنسها تحت مقدور القادرين بالقدرة، والقوم لا يقولون بذلك، فيجب