عودة إلى أن أفعال العباد محدثة منهم:
  أمثاله في القبح. ثم إن هذا القدر كاف إذا كان القبيح بينه وبين اللّه تعالى، وأما إذا كان بينه وبين الآدميين بأن يكون إساءة إلى الغير، فالواجب أن ينظر: فإن كان قتلا، يلزمه أن يندم عليه ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح ويسلم نفسه إلى ولي المقتول. وإن كان غصبا، يرد المغصوب بعينه إن كان باقيا، وإلا فقيمته إن كان من ذوات القيمة، أو مثله إن كان من ذوات الأمثال، ثم إذا تاب عن ذلك لا يستحق بعده الذم والعقاب.
  وإنما قلنا: إن التوبة على الحد الذي ذكرناه تزيل العقاب، لأن نظير التوبة من الشاهد إنما هو الاعتذار، ومعلوم أن أحدنا لو أساء إلى غيره ثم اعتذر إليه اعتذارا صحيحا فإنه لا يستحق بعد ذلك الذم على الإساءة، فكذلك في مسألتنا.
  وأما كثرة الطاعات، فإنها مما لا يؤثر في إزالة العقاب المستحق على الكبيرة والأعمار هذه الأعمار على ما سيجيء في باب الوعيد إنشاء اللّه تعالى، ولكنها تؤثر في إزالة العقوبة المستحقة على الصغيرة، لأن نظير كثرة الطاعات من الشاهد كثرة الإحسان إلى الغير، ومعلوم أن أحدنا لو أحسن إلى غيره ضروبا من الإحسان ثم كسر له رأس قلم فإن هذه الإساءة تقع مكفرة في جنب ماله من الإحسان لديه، وبالعكس من هذا فإنه لو قتل واحدا من أعزته فإنه يخبط جميع ماله قبله من الإحسان.
عودة إلى أن أفعال العباد محدثة منهم:
  وإذ قد فرغنا من بيان أقسام الفعل وما يتصل به، نعود إلى الدلالة على أن أفعال العباد غير مخلوفة فيهم، وأنهم هم المحدثون لها.
  والذي يدل على ذلك، أن نفصل بين المحسن والمسئ، وبين حسن الوجه وقبيحة، فمحمد المحسن على إحسانه ونذم المسئ على إساءته، ولا تجوز هذه الطريقة في حسن الوجه وقبيحة، ولا في طول القامة وقصرها، حتى لا يحسن منا أن نقول للطويل لم طالت قامتك، ولا للقصير لم قصرت؟ كما يحسن أن نقول للظالم لم ظلمت؟ وللكاذب لم كذبت فلو لا أن أحدهما متعلق بنا وموجود من جهتنا بخلاف الآخر، وإلا لما وجب هذا الفصل، ولكان الحال في طول القامة وقصرها كالحال في الظلم والكذب، وقد عرف فساده.
  فإن قالوا: لا يمكنكم أن تستدلوا بهذه الطريقة على أن هذه الأمثال متعلقة بكم، فإنكم تحمدون اللّه تعالى على الإيمان، وإن كان الإيمان من فعلكم ومتعلق بكم،