شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل في خلق الأفعال

صفحة 217 - الجزء 1

  يبين ذلك ويوضحه، أن الذي يخرج المقدور عن كونه مقدورا وجوه محصورة:

  منها ما يرجع إلى ما تحتاج إليه القدرة كعدم البنية، ومنها ما يرجع إلى الفاعل وهو عدم القدرة، ومنها ما يرجع إلى نفس المقدور وذلك وجوه ستة: وجوده، أو وجود سببه، أو حضور وقته، أو حضور سببه، أو تقضيه، أو تقضي وقت سببه. وشيء من هذه الوجوه غير حاصل في مسألتنا، فيجب أن لا تتغير قدرة القديم تعالى على ذلك يكذب المدعي وصدقه.

  ثم يقال لهم: هب أنه تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح، أوليس أنه تعالى قادر على أن يجعله كسبا لهذا المدعي فيلزم منه ما فررتم منه.

  ومنهم من قال: إنما لم يجز ذلك لأن المعجز موضوع للتصديق.

  وجوابنا أنا لا نسلم ذلك، بل المعجز إنما يدل على صدق من ظهر عليه بشرط أن يكون المظهر له عدلا حكيما، فأما إذا لم يكن عدلا حكيما فلا. وقد أضفتم إلى اللّه تعالى سائر القبائح فكيف يمكنك القول بذلك؟.

  ثم يقال لهم: وما دليلكم على أن المعجز دلالة التصديق؟ فإن قالوا: لأن اللّه تعالى قادر على أن يخلق فينا العلم الضروري بصدق المدعي فيجب أن يكون قادرا على أن يعرفنا صدقه استدلالا، قلنا: ولم وجب ذلك؟ فإن قالوا: لأنه تعالى لما قدر على أن يعرفنا ذاته اضطرارا قدر على أن يعرفناه استدلالا. قلنا، ولم جمعتم بين الأمرين، وهل هذا إلا جمع الأمرين من غير علة جامعة؟ ثم يقال لهم: أليس أنه تعالى قدر على أن يعرفنا وجود أنفسنا اضطرارا ولم يقدر على أن يعرفناه استدلالا، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟ فإن قالوا: إن كلامنا في الغير، قلنا: هذا قرار بمجرد دفع الالتزام، وما هذا سبيله من الاحترازات فإنها مما لا يقبل، وصار الحال فيه كالحال في ما إذا قلنا للمجسمة لو كان القديم تعالى جسما لوجب أن يكون محدثا، فتقول المجسمة إنما يجب أن يكون محدثا إذا كان الكلام في الشاهد فأما في الغائب فلا، فكما أنّا نقول لهم هذا احتزاز لمجرد دفع الإلزام فلا يقبل، كذلك في مسألتنا.

  وبعد، فإنه تعالى قادر على أن يعرفنا الألم اضطرارا ولم يقدر على أن يعرفنا به استدلالا، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟ فلا يجدون له جوابا.

فصل في خلق الأفعال

  والغرض به، الكلام في أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنهم المحدثون لها.