شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل في الآلام

صفحة 325 - الجزء 1

  الحال فيه كالحال في الآلام النازلة بالأطفال وغير الأطفال، وأما القتل فلا نسلمه فإن النبي نهى عن قتل أولاد الكفرة والنساء والبهائم، ومتى تستروا بأولادهم فإنما يجوز قتلهم لأن ذلك ليس بعقوبة لهم وإنما هو تشديد على الكفرة، واللّه تعالى يعوضهم على ذلك أعواضا توفى عليها.

  فإن قيل: أليس قد روي عن النبي «كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» قلنا: هذا الخبر يدل على صحة ما نذهب إليه ولا تعلق لكم بهذا الخبر، ففيه أن كل مولود يولد على الفطرة، ومن مذهبكم أن بعض المولودين يولدون على الفطرة والبعض الآخر يولدون على الكفر، فكيف يصح قولكم ذلك؟

  وأيضا، فيه أن أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، ومن مذهبكم أنه تعالى المتولى كل ذلك، وأنه على الحقيقة يهوده ويمجسه وينصره. ثم نقول: إن المراد بالخبر أن أبويه يلقنانه اليهودية والنصرانية والتمجس لا أنه يصير ذلك، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.

فصل في الآلام

  اعلم، أن للجهل بوجه حسن الآلام وقبحها ضل كثير من الناس.

  واعتقد بعضهم أن الآلام قبيحة كلها، والملاذ حسنة كلها، فأثبتوا لذلك فاعلين، لما اعتقدوا أن الفاعل الواحد لا يجوز أن يكون فاعلا لها جميعا، وهم الثنوية.

  واعتقد آخرون أن الآلام لا تحسن إلا مستحقة وقصروا حسنها على هذا الوجه، ثم لما رأوا وصول هذه الآلام إلى الأطفال والبهائم الذين لا يستحقونها تحزبوا:

  فقال بعضهم: إنهم كانوا في قالب آخر فعصوا اللّه تعالى فيه فنقلهم إلى هذا القالب وعاقبهم بهذه العقوبات، وهم أصحاب التناسخ، فنفوا أن يكون الحي والحساس هذه الجملة المشار إليها وأثبتوا غيرها.

  وآخرون استصغروا هذه المقالة من أهل التناسخ، فدفعوا المحسوسات، وقالوا:

  إن الأطفال والبهائم لا يحسون شيئا من هذه الآلام البتة، وهم البكرية وينسبون إلى ابن أخت عبد الواحد.

  واعتقد الجبرية أن الآلام يعتبر حسنها وقبحها بحال فاعلها، فإن كان فاعلها القديم جل وعز يحسن منه سواء كان ظلما أو اعتبارا، وإن كان فاعلها الواحد منا لا