فصل والغرض به الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  الأحكام. فإن أردت به الأول، فذلك ساقط، لأنا نعلم ضرورة من دين الأمة أن صاحب الكبيرة لا تجري عليه هذه الأحكام، فلا يمنع على المناكحة والموارثة والدفن وغيرها، وإن أردت به الثاني، فذلك لا يصح أيضا، لأن الكفر صار بالشرع اسما لمن يستحق إجراء هذه الأحكام عليه، فكيف يجوز إطلاقها على من لا يستحقها؟.
  وإما أن يقول إن صاحب الكبيرة مؤمن على ما تقوله المرجئة. والكلام عليه أن نقول ما تريد به؟ أتريد به أن حكمه حكم المؤمن في المدح والتعظيم والموالاة في اللّه تعالى، أم تريد أنه يسمى مؤمنا. فإن أردت به الأول، فذلك لا يصح، لأنه خرق إجماع مصرح، فإنا نعلم من حال الصحابة وخاصة من حال علي بن أبي طالب #، أنهم كانوا لا يعظمون صاحب الكبيرة ولا يوالونه في اللّه ø بل يلعنونه ويستخفون به، ولهذا فإن أمير المؤمنين # كان يقول في قنوته: اللهم العن معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبا الأعور السلمي، وأبا موسى الأشعري. وإن أردت به الثاني. فذلك لا يصح أيضا لأن قولنا مؤمن في الشرع، اسم لمن يستحق هذه الأحكام المخصوصة، فكيف يجري على من لا يستحقها.
  واعلم أن هذا المذهب مأخوذ عن أمير المؤمنين # خاصة، وعن الصحابة التابعين عامة، ولهذا قال أبو حنيفة: لولا سيرة أمير المؤمنين # في أهل البغي ما كنا نعرف أحكامهم فعلى هذا يجب أن نقول في هذا الباب.
فصل والغرض به الكلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  ونحن أولا نبين حقيقة الأمر، والنهي، والمعروف، والمنكر.
  أما الأمر، فهو قول القائل لمن دونه في الرتبة افعل، والنهي هو قول القائل لمن دونه لا تفعل.
  وأما المعروف، فهو كل فعل عرف فاعله حسنه أو دل عليه، ولهذا لا يقال في أفعال القديم تعالى معروف، لما لم يعرف حسنها ولا دل عليه.
  وأما المنكر، فهو كل فعل عرف فاعله قبحه أو دل عليه، ولو وقع من اللّه تعالى القبيح لا يقال إنه منكر، لما لم يعرف قبحه ولا دل عليه.