الله خالق كل شيء
  وذمهم على ذلك، فلو لا أنها متعلقة بهم وإلا لما حسن إضافته إليهم وذمهم على ذلك.
  وبعد، فالأصل في كلام الحكيم أن لا يحمل إلا على وجه لو أظهره لكان لائقا بالحكمة، ومعلوم أنه لو قال: أتعبدون ما تنحتون وأنا الذي خلقت فيكم عبادته ونحته لكان لا يليق هذا الكلام بحكمته، فلا يجوز حمل هذا على ظاهره، ويجب أن يحمل على وجه يوافق الأدلة العقلية، فيقال: إن المراد بقوله: {وَما تَعْمَلُونَ}، أي وما تعملون فيه، وذلك كثير جاء في اللغة وفي كتاب اللّه تعالى، قال اللّه ø: {يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ}[سبأ: ١٣] فإنه لا تتعلق بهم المحاريب لكونها أجساما، والمراد به العمل في المحاريب. وكذلك قوله تعالى: {فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ}[الأعراف: ١١٧] الآية يعني العصا، أي ما يأفكون فيه، كذلك في مسألتنا.
اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ:
  ومما يتعلقون به، قوله تعالى: {اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ٦٢}[الزمر: ٦٢]، قالوا: وهذا نص صريح في موضع التنازع والخلاف.
  وجوابنا، أن هذا الظاهر متروك بالاتفاق، لأنه تعالى من الأشياء ولم يخلق نفسه فلا يمكن التعلق بظاهر هذه الآية. وعلى أن هذه الآية وردت مورد التمدح، ولا مدح بأن يكون اللّه تعالى خالقا لأفعال العباد وفيها الكفر والإلحاد والظلم، فلا يحسن التعلق بظاهره. فإذا عدلتم عن الظاهر فأخذتم بالتأويل، فلستم بالتأويل أولى منا، فنتأوله على وجه يوافق الدليل العقلي، فنقول: إن المراد به، اللّه خالق كل شيء، أي معظم الأشياء، والكل يذكر ويراد ما ذكرنا، قال اللّه تعالى في قصة بلقيس {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: ٢٣] مع أنها لم تؤت كثيرا من الأشياء.
إن ربكم الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما:
  ومما يتعلقون به، قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ}[الأعراف: ٥٤] قالوا: وأعمال العباد فيما بين السماوات والأرض فيجب أن تكون من خلق اللّه تعالى.
  والجواب: أن البين يستعمل حقيقة في الفصل والوصل، وأي ذلك كان فغير متصور في أفعل العباد. على أن الأمر لو كان على ما ظنوه لوجب أن تكون هذه الأفعال كلها مخلوقة في العباد في ستة أيام، وقد عرف خلافه.