شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

لم لا يكون اجتماع الجسم لعدم معنى؟

صفحة 60 - الجزء 1

  فإن قيل: كيف يصح رد ذلك إلى الكلام، والكلام عندنا كسائر الأجسام في أنا لا نقدر عليه؟ قلنا: إنا نعلم ضرورة أن الكاذب يستحق الذم والملامة من جهته على كذبه، فلو لا أنه وقع من جهته ومتعلق به وإلا لم يجز ذلك، فصح ما قلناه.

  دليل آخر، وهو أن أحدنا لو قدر على أن يجعل الجسم مجتمعا من دون معنى قدر على أن يجعله على سائر صفاته التي يكون عليها بالفاعلين، نحو كونه أسود وأبيض وأحمر وحلوا ومرا وغير ذلك، كما في الكلام فإنه لما كان قادرا على أن يجعله أمرا ونهيا، قدر أن يجعله على سائر أوصافه، نحو كونه خبرا واستخبارا أو عرضا ويمينا وجحدا ونفيا وإثباتا إلى غير ذلك، والمعلوم خلافه.

  دليل آخر، وهو أنه لو كان كذلك، لوجب في كون أحدنا عالما أن يتعلق بالفاعل لأن هاتين الصفتين مستحقتان على حد واحد، والصفتان متى استحقتا حد واحد، كان المؤثر فيهما من باب واحد.

  فإن قال: هكذا نقول فدلوا على خلافه، قلنا: لو كان كون أحدنا عالما متعلقا بالفاعل، لوجب أن لا يجد الواحد منا هذه الصفة كأنها من ناحية صدره، لأن الفاعل إنما يفعل الجملة على هذه الصفة لا البعض.

  دليل آخر، وهو أنه لو كان كذلك، لوجب أن لا يتأتى من أحدنا الجمع بين الجسمين في حالة البقاء، لأن ما يتعلق بالفاعل يتبع حالة الحدوث، كما في الكلام فإنه لما تعلقت أوصافه بالفاعل تبع حالة الحدوث حتى لم يجز خلافه.

  دليل آخر، وهو أنه لو كان كذلك، لوجب أن يتأتى من الواحد منا إيقاف الجسم الثقيل في الجو دون قرار ولا علاقة بأن لا يجعله متحركا، والمعلوم خلافه، فليس إلا أن يكون الجسم مجتمعا مما لا تعلق له بالفاعل.

لم لا يكون اجتماع الجسم لعدم معنى؟

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لعدم معنى؟ قلنا: لأن المعنى المقدور لا اختصاص له ببعض الأجسام دون بعض، فكان يجب أن تكون الأجسام كلها مجتمعة لعدم ذلك المعنى، وأن لا يكون شيئا مفترقا البتة، وقد عرفه خلافه.

  وبعد، فإن كون الجسم مجتمعا موقوف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا فيجب أن يكون لأحوالنا فيه تأثير. ولا يخلو أن يكون تأثيره في نفس الصفة أو فيما يؤثر فيه.