شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام على النجارية:

صفحة 271 - الجزء 1

  فالاستدلال بالسمع على تلك المسألة لا يصح.

  فإن قالوا: لو قبح تكليف ما لا يطاق لحسن تكليف ما يطاق. قلنا: لا يمتنع أن يقبح ذلك، وينقسم هذا كالكذب يقبح والصدق ينقسم، وكإرادة القبيح تقبح وإرادة الحسن تنقسم. هذا هو الكلام على الأشعرية.

الكلام على النجارية:

  وأما الكلام على النجارية فنقول: إن تكليف الكافر بالإيمان تكليف ما لا يطاق، لأن الطاقة والقدرة سواء، وهو لا يقدر إلا على الكفر لأنه لم يقع منه إلا الكفر، فليس فيه إلا قدرة الكفر، فيلزم أن يكون تكليفه بالإيمان تكليفا لما لا يطاق، وذلك قبيح، واللّه تعالى لا يفعل القبيح.

  فإن قالوا: إن هذا إنما يلزم إذا لم يصح منه الإيمان أول يجوز أو لم يتوهم، فأما إذا صح منه الإيمان وجوز وتوهم فلا. قلنا: إن شيئا من ذلك مما لا يمكن أن يفعل به الإيمان، وإنما الإيمان يفعل بالقدرة عليه، والكافر فقد عدمها.

  بعد، فهذه الألفاظ من توابع القدرة ولا تستعمل إلا حيث تستعمل القدرة، فكيف يصح ما قالوه؟

  طريقة أخرى في الكلام عليهم، وهو أن نقول: إن الكافر إذا لم يقدر على الإيمان كان تكليفه به كتكليف العاجز في القبح، فإن قالوا: إنا وإياكم اتفقنا على حسن تكليف الكافر بالإيمان فما غرضكم في هذه المنازعة؟ قلنا: إن غرضنا في ذلك أن تتبينوا فساد مذهبكم لتتركوه، وصار الحال في ذلك كالحال في إلزامنا المجسمة أنه تعالى لو كان جسما لوجب أن يكون محدثا، وقد ثبت قدمه، فكم أنه ليس للمجسم أن يقول: إنا وإياكم أجمعنا على قدم القديم فما وجه هذا الإلزام؟ لأنا نقول لهم: إنما ألزمناكم لكي تتركوا مذهبكم الفاسد إلى مذهبنا، كذلك هنا.

  وما يبين لك أن تكليف الكافر بالإيمان كتكليف العاجز في القبح، هو أنهما قد اشتركا في تعذر الإيمان عليها، ومعلوم أن تكليف العاجز بالإيمان إنما يقبح لتعذره عليه، فالكافر إذا شاركه في ذلك وجب أن يقبح تكليفه أيضا لأن افتراقهما من وجه آخر لا يمنع من اتفاقهما في هذا الوجه، يبين ذلك، أن الإيمان إنما يفعل بالقدرة، وليس في الكافر قدرة على الإيمان كما في العاجز، فوجب استواؤهما في قبح