شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

تتمة الأدلة على أنه تعالى لا يعرف ضرورة:

صفحة 26 - الجزء 1

  فإن قيل على هذا الوجه الأول: إن هذه الطريقة توجب عليكم في اللون الحادث عند الضرب أن يكون من قبلكم لأنه يقع بحسب ضربكم، يقل إذا قل، ويكثر إذا كثر.

  قيل له: ليس ذلك اللون بحادث عند الضرب، وإنما هو لون الدم انزعج بالضرب، فلا يشبه مسألتنا.

  فإن قيل على وجه الثاني: يلزمكم أن يكون من العلم بمخبر الأخبار المتواترة من قبل المخبرين لأنه يقع بحسب قصدهم ودواعيهم، قيل له: ليس كذلك، ذلك علم من جهة اللّه تعالى يخلقه فينا عند خبرهم على ما سنبينه في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

  ومما يدل على أن العلم باللّه تعالى لا يجوز أن يكون ضروريا، هو أنه لو كان ضروريا لوجب في العادم له أن يكون معذورا، لأن ذلك عند الخصم موقوف على اللّه تعالى حتى إذا اختار اللّه تعالى كان وإلا فلا. وهذا يوجب في الكفار كلهم أن يكونوا معذورين في تركهم معرفة اللّه تعالى وغير ذلك من المعارف. وهذا الوجه معتمد عليه؛ والخصم عند هذا الكلام إما أن يرتكب كون الكفار كلهم معذورين في تركهم المعارف فيكفر بذلك. أو يقول إنهم إنما لم يعذروا لأنهم جحدوا ما عرفوه، وهذا الاعتقاد وإن تخلص به من الكفر إلا أنه أظهر فسادا من الأول لأن الجحود إنما يجوز على العدد اليسير. فأما على العدد الكبير والحجم الغفير فلا.

تتمة الأدلة على أنه تعالى لا يعرف ضرورة:

  وقد استدل على أنه تعالى لا يعرف ضرورة بوجوه منها:

  أنه تعالى لو كان العلم به ضروريا لوجب أن لا يختلف العقلاء فيه كما في سائر الضروريات من سواد الليل وبياض النهار، ومعلوم أنهم مختلفون فيه، فمنهم من أثبته ومنهم من نفاه.

  ومنها أنه لو كان كذلك لوجب أن لا يمكن نفيه عن النفس بشك أو شبهة.

  والمعلوم خلافه، ولهذا فإنك تجد كثيرا ممن برز في الإسلام واشتهر به قد ارتد وكفر ونفى عن نفسه العلم باللّه تعالى، كابن الراوندي وأبي عيسى الوراق إلا أن هذا مما لا يمكن الاعتماد عليه، لأن لقائل أن يقول: ما أنكرتم أن هذه المعارف مع أن الكل ضرورية، تنقسم إلى: ما يمكنكم نفيه عن النفس لأن ما يفعله اللّه تعالى منه أقل مما في مقدوركم من أضدادها، وإلى ما لا يمكنكم دفعه عن النفس لأن ما يفعله اللّه تعالى منها أكثر مما في مقدوركم من أضدادها. وصار الحال فيه كالحال في الحركات