شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الرد على من يقول إن الله لو قدر على القبيح لوجب أن يوقعه:

صفحة 212 - الجزء 1

  فساد قولهم.

  قالوا: لو كان اللّه تعالى قادرا على القبيح لوجب أن يوقعه.

الرد على من يقول إن اللّه لو قدر على القبيح لوجب أن يوقعه:

  قلنا، ليس يجب في كل من قدر على الشر أن يوقعه لا محالة، ألا ترى أن أحدنا مع قدرته على القيام ربما يكون قاعدا، ومع قدرته على الكلام ربما يكون ساكتا، فكيف أوجبتم في القادر على الشيء أن يوقعه بكل وجه؟ وكذلك فالقديم تعالى قادر على أن يقيم القيامة الآن، ثم إذا لم تقم لم يقدح في كونه قادرا.

  وقالوا: لو كان القديم تعالى قادرا على القبيح لوجب صحة أن يوقعه، قلنا: ما تريدون بالصحة؟ فإن أردتم يجب أن يوقعه فقد أجبنا عن ذلك، وإن أردتم أنه يجب أن يكون قادرا عليه فذلك مجاب إليه.

  فإن قالوا: إذا كان القديم تعالى قادرا على القبيح فما الذي أمنكم من أن يوقعه؟

  قلنا: دلالة العدل، وهو علمه بقبح القبيح واستغناؤه عنه هو الذي أمننا من ذلك، فصح ما قلناه، وصح أنه تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحا.

هناك أدلة من الكتاب على هذا وإن كانت الأدلة السمعية بعيدة هنا:

  وفي كتاب اللّه تعالى، ما يمكن أن يستدل به على أنه تعالى موصوف على ما لو فعله لكان قبيحا، وإن كان الاستدلال بالسمع على هذه المسألة يبعد.

  وتحرير الدلالة على ذلك، أن اللّه تعالى تمدح بنفي الظلم عن نفسه مدحا يرجع إلى الفعل حيث قال: {وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}⁣[فصلت: ٤٦]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ}⁣[النساء: ٤٠] وقال: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}. ولا يحسن أن يتمدح بنفي الظلم عن نفسه، وهو غير قادر عليه، كما أنه لا يحسن من العنين أن يتمدح بتركه افتضاض الأبكار، لما لم يكن قادرا على ذلك، وكما أنه لا يحسن من الزمن المقعد مدح نفسه بتركه تسلق الحيطان والهجوم على دور الجيران لما لم يكن قادرا عليه، كذلك هاهنا، إذا لم يكن القديم تعالى قادرا على القبيح، وجب أن لا يحسن منه أن يتمدح بترك الظلم.

  فإن قيل: أليس أنه تعالى تمدح بنفي السنّة والنوم والصاحبة والولد عن نفسه مع أنه غير قادر عليه قلنا: فرق بين الموضعين، فإن أحدهما مدح يرجع إلى ذاته، والآخر