علوم الوعد والوعيد:
علوم الوعد والوعيد:
  وأما علوم الوعد والوعيد، فهو أنه يعلم أن اللّه تعالى وعد المطيعين بالثواب وتوعد العصاة بالعقاب، وأنه يفعل ما وعد به وتوعد عليه لا محالة، ولا يجوز عليه الخلف والكذب.
المخالف في هذا الباب:
  والمخالف في هذا الباب: إما أن يخالف في أصل الوعد والوعيد، وقال: إن اللّه تعالى ما وعد ولا توعد، وهذا على الحقيقة خلاف في نبوة محمد ﷺ، لأنا نعلم من دينه ضرورة أنه وعد وتوعد، أو يقول: إنه تعالى وعد وتوعد ولكن يجوز أن يخلف في وعيده، فالكلام عليه أن يقال: إن الخلف في حق اللّه تعالى كذب لما تقدم، والكذب قبيح، واللّه تعالى لا يفعل القبيح لعلمه بقبحه ولغناه عنه، وإلى هذا أشار بقوله: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٢٩}.
  وبعد: فلو جاز الخلف في الوعيد لجاز في الوعد، لأن الطريق في الموضعين واحدة، فإن قال فرق بينهما، لأن الخلف في الوعيد، كرم، وليس كذلك في الوعد.
  قلنا: ليس كذلك، لأن الكرم من المحسنات، والكذب قبيح بكل وجه، فكيف تجعله كرما. أو يقول إن اللّه تعالى وعد وتوعد، ولا يجوز عليه الخلف والكذب، ولكن يجوز أن يكون في عمومات الوعيد شرط واستثناء لم يبينه اللّه تعالى. والكلام عليه، أن يقال: إن الحكيم لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب لا يريد به ظاهره، ثم لا يبين مراده به، لأن ذلك يجري مجرى الألغاز والتعمية، وذلك لا يجوز على القديم تعالى.
  وبعد: فلو جاز في عمومات الوعيد لجاز في عمومات الوعد، بل في جميع الخطاب من الأوامر والنواهي، والمعلوم خلافه. فإن قيل: فرق بينهما، لأنا أمرنا بموجبات الأمر والنهي وعلينا في ذلك التكليف، وليس كذلك في عمومات الوعيد لأنه لا يتعلق بالتكليف، قلنا لهم: إن علينا في عمومات الوعيد تكليفا كما في غيره من الأوامر والنواهي، ألا ترى أنا قد أمرنا أن نعتقد مخبراتها ولا نعتقد خلافها، فلو كان فيها شرط أو استثناء لم يبينه اللّه تعالى جرى مجرى الإلغاز والتعمية على ما مر، فهذه هي طريقة القول في هذا الفصل.