شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

حول القائلين بالنفس والعقل والعلة وأصحاب النجوم

صفحة 75 - الجزء 1

حول القائلين بالنفس والعقل والعلة وأصحاب النجوم

  فصل: إن قيل: أين أنتم عن القائلين بالنفس والعقل، وعمن يقول بإثبات علة كنى بها عن الباري، وكذلك فأين أنتم عن أصحاب النجوم الذين أضافوا هذه الحوادث إلى تأثيرات الكواكب؟

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن القول بالنفس والعقل والعلة إشارة إلى ما لا يعقل، لأن العقل في الشاهد يدل على فاعل مختار حتى صار كالحقيقة فيه فلا يتغير شاهدا وغائبا. ولو أنهم أرادوا بذلك الفاعل المختار فلا مشاحة بيننا وبينهم إلا في العبارة، والمرجع فيها إلى أرباب اللسان وأهل اللغة، ومعلوم أنهم لا يسمون الفاعل نفسا ولا عقلا ولا علة.

  وأما أصحاب النجوم الذين أضافوا هذه الحوادث إلى تأثيرات الكواكب فقد أبعدوا، وذلك لأن هذه النجوم ليست بأحياء فضلا عن أن تكون قادرة، والفاعل المختار لا بد من أن يكون حيا قادرا. يبين ما ذكرناه ويوضحه، أن الشمس على ما هي عليه من الحرارة لا يصح أن تكون حية، لأن الحياة تحتاج إلى بنية مخصوصة هي اللحية والدميمة، وهي مفقودة فيها.

  وبعد، فلو كانت الشمس قادرة لوجب وقوع الاختلاف في تصرفاتها، فتطلع تارة من الشرق وتارة من الغرب، ومعلوم أنه لا اختلاف في حركاتها، بل هي على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة. على أنا نعلم من وحي النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ومن دين الأمة ضرورة أنها مسخرة مدبرة غير حية ولا قادرة، ففسد ما قالوه.

  وبعد، فلو كانت قادرة لوجب أن تكون قادرة بقدرة، والقادر بالقدرة، لا يقدر على فعل الأجسام، إذ لو صح ذلك بما فيه من القدرة لصح من الواحد منا. ذلك لأن القدرة وإن اختلفت فمقدوراتها متجانسة، فيلزم أن يخلق لنفسه ما شاء من الأموال والبنين، والمعلوم خلافه.

  والذي حملهم على ذلك وأداهم إليه، هو أنهم ظنوا أن نماء الزرع وإدراك الثمار وغيرها يتبع الشمس ويقع بحسبها، وليس كذلك لأن الزرع قد ينمو والثمار قد تدرك مع غيبوبة الشمس كما تنمو وتزداد مع طلوعها، فكيف يصح تعليقه بها.

  وبعد فإن الزرع كما يختلف في الزيادة والنقصان بحسب الشمس، فقد يختلف أيضا بحسب تعهد الزراع، فليس بأن يضاف إلى الشمس أولى من أن يضاف إلى