شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل

صفحة 332 - الجزء 1

  فعند أبي علي أن ذلك لا يحسن، وإن بلغ النفع ودفع الضرر مبلغا عظيما إلا برضاه.

  وقال أبو هاشم: إن النفع ودفع الضرر إذا عظم لم يعتبر برضاه، بل يحسن منا إيلامه لمكانه أراد المؤلم ذلك أم كرهه، وهو الصحيح من المذهب الذي نختاره فإن أحدنا لو قال لغيره: قم من هذا المكان ولك ألوف دنانير، ثم لم يختر هو ذلك، فإن له أن يجبره على القيام ويقيمه ثم يدفع إليه الدنانير الألوف.

  إذا ثبت هذا وتقرر، قلنا: إن القديم تعالى لسعة جوده وكرمه، ولعلمه بتفاصيل ما يوصله إلينا من الآلام، وكمية ما يستحق أحدنا من الأعواض في مقابلته، يحسن منه أن يؤلمنا من دون اعتبار رضانا بذلك، وليس كذلك حال الواحد منا، فإن نفسه لا تطاوعه على بذل الرغائب في مقابلة إقامة الغير من مقامه من دون أن يكون له في ذلك نفع يقابله، أو دفع ضرر أعظم منه، ولا يعلم بتفاصيل ما يصل إليه من أجر الآلام، ولا كمية ما يستحقه عليه من العوض، فلذلك افترق الحال فيما أورده بين الشاهد والغائب، حتى لو قدرنا أن يكون الحال في أحدنا كالحال في الغائب، لحسن منا الإيلام للعوض كما حسن من اللّه تعالى.

فصل

  واعلم أن من مذهب أبي علي، أن الألم يحسن من اللّه تعالى لمجرد العوض، لما اعتقد أن العوض بصفة لا يجوز التفضل به ولا الابتداء بمثله.

  وقال أبو هاشم: لا بد فيه من غرض آخر وهو الاعتبار، وهو الصحيح.

  والذي يدل على صحته، هو أن العوض لا يبلغ حدا إلا ويجوز أن يتفضل به ويبدأ بمثله، وإذا كان كذلك والقديم تعالى قادر على أن يبتدئ بالعوض من دون هذا الألم، فالإيلام لمكانه والحال هذه يكون عبثا قبيحا، وصار الحال فيه كالحال فيمن استأجر أجيرا ليصب الماء من نهر إلى نهر من دون أن يتعلق له بذلك غرض ثم يعطيه الأجرة، فكما أن ذلك يقبح منه، كذلك هاهنا.

  فإن قال: إن للاستحقاق مزية، قلنا: لو حسن من اللّه تعالى ذلك لمزية الاستحقاق، لحسن منا الاستئجار على الحد الذي ذكرناه لهذه العلة، ومعلوم خلافه، على أن الاستحقاق إنما يكون له مزية في الشاهد، لأن أحدنا ربما يستنكف من قبول نعمة الغير ويلحقه بذلك أنفة وغضاضة، وهذا غير ثابت فيما بيننا وبين اللّه ø