خلاف جعفر ابن حرب:
  وفيها ما هو صغير، أفي كتاب اللّه تعالى ذلك، أم في سنة رسوله #، أم في اتفاق الأمة؟
  قيل له: أما اتفاق الأمة فظاهر على أن أفعال العباد تشتمل على الصغير والكبير غير أنا نتبرك به ونتلو آيات فيها ذكر الصغير والكبير وما في معناه، قال اللّه سبحانه وتعالى: {ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها}[الكهف: ٤٩] وو قال تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ٥٣}[القمر: ٥٣] وقال: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ}[الحجرات: ٧] فرتب المعاصي هذا الترتيب، بدأ بالكفر الذي هو أعظم المعاصي وثناه بالفسق وختم بالعصيان، فلا بد من أن يكون قد أراد به الصغائر، وقد صرح بذكر الكفر والفسق قبله. وقال أيضا: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}[النجم: ٣٢] فلا بد من أن يكون المراد باللمم الصغائر، وإلا كان لا يكون للاستثناء معنى وفائدة، إذ المستثنى لا بد أن يكون غير المستثنى منه. وقال أيضا:
  {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}[النساء: ٤٨] وأراد به الصغيرة على ما شرحه المفسرون لكتاب اللّه تعالى في تفاسيرهم. فبهذه الوجوه التي ذكرناها علم أن في المعاصي صغيرا كما أن فيها كبيرا، وإلا فلو خلينا وقضية العقل لكنا نقطع على أن الكل كبير على ما ذكرناه، وأبو هاشم كان يقول: كنا نعلم عقلا أن سرقة درهم لا تكون كسرقة عشر دراهم، وأن أحدهما كبير والآخر خلافه، وذلك مما لا يصح لما قد تقدم.
خلاف جعفر ابن حرب:
  ومما يذكر هاهنا، خلاف جعفر بن حرب: أن كل عمد كبير، وأظن أن ذلك مذهبا لبعض السلف من أصحابنا، والذي يدل على أن ذلك مما لا يصح، هو أن الكبير الصغير كما بينا إذا كان كلاما في مقادير الثواب والعقاب فلا بد من أن يكون الطريق إليه دلالة شرعية، ولا دلالة تدلنا على أن كلها عمد كبير فيجب التوقف فيه، ويجوز أن يكون كبيرا، ويجوز أن يكون صغيرا.
  وبعد، فإن الكفر يكون كفرا وإن لم يكن هناك عمد، وكذلك الكبير لا يمتنع أن يكون كبيرا، وإن لم يكن هنا عمد، فلا يثبت والحال هذه للعمد تأثير، فكان يجب متى وقع الفعل الذي لا يمكن القطع بكونه كبيرا ولا عمد هناك إلا بقطع بكونه كبيرا وإن كان هناك عمد، لأن العمد مما لا تأثير له في كون الفعل كبيرا أو صغيرا.