شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

صنع الله الذي أتقن كل شيء

صفحة 240 - الجزء 1

  تعالى فهو إحسان، أو المراد به أن جميعه حسن. لا يجوز أن يكون المراد به الإحسان، لأن في أفعاله تعالى ما لا يكون إحسانا كالعقاب، فليس إلا أن المراد به الحسن على ما نقوله.

  إذا ثبت هذا، ومعلوم أن أفعال العباد تشتمل على الحسن والقبيح، فلا يجوز أن تكون مضافة إلى اللّه تعالى.

  فإن قال: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله تعالى: «أحسن» أي «علم» كما يقال: فلان يحسن اللغة والنحو والتصريف والطب وغير ذلك. قلنا: هذا لا يصح، لأن أحسن بمعنى علم لم يجيء وإن جاء مضارعه، وليس يمتنع أن يستعمل مضارع ما لم يستعمل ماضيه. وعلى هذا استعملوا مضارع نحو: وذر، وودع. فقالوا: يذر ويدع، ولم يستعمل ماضيه. فلم يقولوا: أوزر ولا أودع. وصار هذا في بابه كاستعمالهم الماضي من دون استعمال المضارع، نحو قولهم: عسى وليس، فحسب.

  وبعد، فإن الذي يسبق إلى أفهام السامعين من قوله أحسن، ليس إلا الحسن على ما ندعيه، فيجب أن يحمل عليه، لأن كلام اللّه تعالى هما أمكن حمله على ظاهره لا بعدل عنه إلى غيره.

  وقد قال قاضي القضاة |: إن قوله: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، يتنزل في العربية منزلة قوله: أحسن في كل شيء، ومعلوم أنه لو قال: أحسن في كل شيء لكان لا يحمل إلا على الحسن، فكذلك إذا كان هكذا.

  قال: والذي يدل على أن فائدة العبارة واحدة، هو أنك لو قلت أحسن كذا وما أحسن فيه لتناقض الكلام، وهذا هو علم الاتفاق بين اللفظين على ما ذكرناه في غير موضع.

صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ:

  ومما يستدل به أيضا قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}⁣[النمل: ٨٨].

  بين اللّه تعالى أن أفعاله كلها متقنة، والإتقان يتضمن الاحكام والحسن جميعا، حتى لو كان محكما ولا يكون حسنا لكان لا يوصف بالإتقان. ألا ترى أن أحدنا لو تكلم بكلام فصيح يشتمل على الفحش والخنا، فإنه وإن وصف بالإحكام لا يوصف بالإتقان.