شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

إبطال أن كلام الله معنى قائم بذاته

صفحة 360 - الجزء 1

  أن نقول لهم: إنكم قد بلغتم في الجهالة إلى أقصى الغاية، فإن القرآن يتقدم بعضه على بعض، وما هذا سبيله لا يجوز أن يكون قديما، إذ القديم هو ما لا يتقدمه غيره. يبين ذلك أن الهمزة في قوله: الحمد للّه، متقدمة على اللام، واللام على الحاء، وذلك مما لا يثبت معه القدم، وهكذا الحال في جميع القرآن، ولأنه سور مفصلة وآيات مقطعة، له أول وآخر، ونصف، وربع، وسدس، وسبع، وما يكون بهذا الوصف كيف يجوز أن يكون قديما.

  وقد دل اللّه على ذلك في محكم كتابه فقال: {ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}⁣[الأنبياء: ٢] والذكر هو القرآن، بدليل قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ٩}⁣[الحجر: ٩] فقد وصفه بأنه محدث، ووصفه بأنه منزل، والمنزل لا يكون إلا محدثا، وفيه دلالة على حدوثه من وجه آخر، لأنه قال: {وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} فلو كان قديما لما احتاج إلى حافظ يحفظه.

  ويدل أيضا على ذلك قوله تعالى: {الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ}⁣[هود: ١] بيّن كونه مركبا من هذه الحروف، وذلك دلالة حدوثه، ثم وصفه بأنه كتاب أي، مجتمع من كتب، ومنه سميت الكتيبة كتيبة لاجتماعها، وما كان مجتمعا لا يجوز أن يكون قديما، ووصفه بأنه محكم، والمحكم من صفات الأفعال، وقال بعد ذلك: {ثُمَّ فُصِّلَتْ}، وما يكون مفصلا كيف يجوز أن يكون قديما.

  وأظهر من هذا كله قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ}⁣[الزمر: ٢٣] وصفه بأنه منزل أولا، ثم قال: أحسن الحديث، وصفه بالحسن، والحسن من صفات الأفعال، ووصفه بأنه حديث، وهو والمحدث واحد، فهذا صريح ما ادعيناه، وسماه كتابا وذلك يدل على حدوثه كما تقدم، وقال: متشابها، أي يشبه بعضه بعضا في الإعجاز والدلالة على صدق من ظهر عليه، وما هذا حاله لا بد من أن يكون محدثا، فهذا هو الكلام على الصنف الأول.

إبطال أن كلام اللّه معنى قائم بذاته

  وأما الكلام على من قال إن كلام اللّه معنى قائم بذاته، فهو أن نقول: إن هذا دخول منكم في كل جهالة، لأن الكلام الذي أثبتموه مما لا يعقل ولا طريق إليه، وإثبات ما لا طريق إليه بفتح باب كل جهالة، ويوجب عليكم تجويز المحالات، نحو:

  أن تجوزوا أن يكون في المحل معان ولا طريق إليها، وأن يكون في بدن الميت حياة