شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مخالفة أبي القاسم:

صفحة 417 - الجزء 1

  وعلى هذا يجري الجواب على قولهم: هلا جاز في المستحق على هذه الأفعال الشاقة أن يكون من جنس السرور، لأن السرور متى تجرد عن نفع، لا يعتد به على ما ذكرناه.

  فإن قيل: كيف يصح قولكم: إن الثواب إنما يستحق على الأفعال الشاقة، ومعلوم أن أحدنا يستحق الثواب على ما لا مشقة فيه، نحو معرفة اللّه تعالى وغير ذلك، وكذلك فإن التقى الصالح ربما لا تلحقه بهذه الطاعات كثير مشقة، لما قد تعوده وألفه، ثم لم يخرج بذلك عن استحقاق الثواب عندكم.

  قيل له: إنا لم نوجب أن يكون في نفس الفعل مشقة، بل يجوز أن يكون فيه أو في سببه، أو في مقدمته، أو فيما يتبعه ويتصل به، ولا شبهة في أن معرفة اللّه تعالى بهذه المنزلة فإنها وإن لم يثبت فيها مشقة ففي سببها وهو الفكر من المشقة ما لا يخفى، وأيضا فإن المحافظة عليها وتوطين النفس على حل الشبهة ودفع الخصوم مشاق عظيمة، بل لو قيل: بأن ما تتضمنه معرفة اللّه تعالى من المشقة، لا يتضمنه غيرها في الأفعال لكان ممكنا، فكيف يصح ما ذكروه.

  وقولهم: إن البر التقي ربما لا يلحقه مشقة في أداء هذه الطاعات واجتناب المعاصي فكيف استحق عليه الثواب بما لا معنى له، فإن هذه الأفعال مما لا تعرى عن مشقة فيها أو فيما يتصل بها على ذكرنا، غير أنه من حيث راض نفسه على ذلك بأن وضع بين عينيه ما يستحقه على الاشتغال بخلافها من العقاب، وما يستحقه على الإتيان بها من الثواب، سهل ذلك عليه، وصار كالتاجر الذي جعل ما يناله من الربح في تلك التجارة نصب عينيه، فإنه والحال هذه يسهل عليه ما يناله من مشاق السفر وغيره، كذلك هاهنا، وعلى هذا المعنى قال اللّه تعالى: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ}.

  وعلى هذه الطريقة يجري الجواب عن قولهم: ألستم قد رويتم عن النبي ، أن أحدنا يؤجر على قضاء وطره من الحلال، ومعلوم أنه لا مشقة في ذلك، فإنا نقول:

  ليس يجب أن تكون المشقة في ذلك نفسه، بل يكفي أن تتعلق بتوطين النفس على الاقتصار عليها وأن لا يتجاوزها إلى من هي أشهى إليه منها، فعلى هذا يجري الكلام عندنا في استحقاق الثواب من جهة اللّه تعالى.

مخالفة أبي القاسم:

  وأما شيخنا أبو القاسم، فقد خالف في هذه الجملة، وقال: إن القديم تعالى إنما