شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل الكلام في الأرزاق:

صفحة 532 - الجزء 1

فصل الكلام في الأرزاق:

  وقد عطف على ما تقدم الكلام في الأرزاق، ووجه اتصاله به هو أن يجري في كلام الناس، أن الآجال والأرزاق والأسعار كلها بقضاء اللّه تعالى وقدره، فأراد أن يتكلم عليه.

  وقبل الشروع في المسألة نذكر حقيقة الرزق.

  اعلم أن الرزق هو ما ينتفع به وليس للغير المنع منه، ولذلك لم يفترق الحال بين أن يكون المرزوق بهيمة أو آدميا.

  وهو ينقسم إلى ما يكون رزقا على الإطلاق وذلك نحو الكلاء والماء وما يجري مجراهما، وإلى ما يكون رزقا على التعيين وذلك نحو الأشياء المملوكة.

  ثم إن سبب الملك ربما يكون الحيازة، وربما يكون الإرث، وربما يكون المبايعة وربما يكون الهبة، هذا في الآدميين.

  وأما في البهائم فإنه ينقسم أيضا إلى ما يكون رزقا على الإطلاق وذلك نحو الكلأ والماء وغير ذلك، وإلى ما يكون رزقا على التعيين وذلك ما حواه فمه وحازه بهذه الطريقة.

  فإن قيل: إنكم فسرتم الرزق بما ينتفع به، فما معنى الانتفاع؟ قلنا: الالتذاذ.

  فإن قيل: ما حقيقة الالتذاذ؟ قلنا: إدراك الشيء مع الشهوة.

  ثم إن ما يدرك مع الشهوة ينقسم إلى ما يكون حادثا وإلى ما يكون باقيا، ما يكون حادثا، فهو المعنى الحاصل عند حك الجرب وما يجري هذا المجري، وهو الذي يسمى لذة مرة وألما أخرى، يسمى لذة إذا أدرك مع الشهوة وألما إذا أدرك مع النفار. أما ما يكون باقيا فهو كالطعوم والأراييح، فإن الالتذاذ إنما يقع بإدراكها مع الشهوة ولا يحدث هناك معنى يلتذ به. هذا هو الذي ذهب إليه أبو هاشم.

  وقد خالفه فيه أبو علي وقال: بل يحدث عند إدراك هذه الباقيات معاني يقع بها الالتذاذ، والصحيح ما اختاره أبو هاشم.

  والذي يدل على صحته، هو أنه لو كان على ما ذكره أبو علي، لكان يجوز