شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

معنى قولنا الموانع مرتفعة:

صفحة 173 - الجزء 1

معنى قولنا الموانع مرتفعة:

  فإن قيل: ولم قلتم إن الموانع المعقولة مرتفعة؟ قلنا: لأن الموانع المعقولة من الرؤية ستة: الحجاب، والرقة، والكثافة، والبصر المفرط، وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي، وكون محله ينقض هذه الأوصاف، وشيء منها لا يجوز على اللّه تعالى بحال من الأحوال.

  وإنما قلنا إن الحجاب منع، لأن المرئي إذا كان محجوبا لا يمكن إدراكه، ومتى كان مكشوفا إدراكه. وهكذا الكلام في الرقة، واللطافة والبعد المفرط، وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي، لأن المرئي إذا كان ببعض هذه الأوصاف لا يمكن أن يدرك، وإن لم يكن كذلك أمكن أن يدرك. وهكذا إذا كان محل المرئي ببعض هذه الأوصاف لأن اللون متى كان في محل محجوب أو رقيق أو لطيف أو بعيد، أو كان محله في غير جهة محاذاة الرائي لم يمكن إدراكه، ومتى لم يكن كذلك أمكن، وبهذه الطريقة يعرف المنع مما ليس بمنع.

  فإن قيل: كيف قلتم إن الحجاب منع عن الرؤية مع أنا نرى ما وراء الزجاج؟

  قلنا: لا يمكن إنكار أن الحجاب منع، ومن أنكر هذا فقد أنكر العيان وجحد الضرورة، وأما ما ذكرته في الزجاج فإنا نرى ما وراءه لأن فيه خللا على طريق الانعراج، ويختص بضرب من الصقالة والضياء فلا يحجب ما وراءه، بل تحصل قاعدة الشعاع مع ما وراءه على وجه لا ساتر بينهما وبينه، ولا ما يجري مجرى الساتر. وإنما قلنا: إن فيه خللا على طريق الانعراج، لأنه إذا أملئ دهنا وشد رأسه وترك في الشمس فإنه يذهب ما فيه من الدهن، فلو لا أن فيه خللا على ما قلناه، وإلا لم يذهب. فلهذه العلة أمكن رؤية ما فيه ورؤية ما وراءه، كما أمكن رؤية المكشوف.

  فإن قيل: كيف قلتم إن الرقة منع عن الرؤية، مع أن المحتضر يرى الملك، والجن يرى بعضهم بعضا؟ قلنا: لأن الرقة لا تمنع بنفسها وإنما تمنع بغيرها وهو ضعف الشعاع وقلته، والمحتضر إنما يرى الملك لأن شعاعه أقوى وأكبر، وكذلك حال الجن.

  فإن قيل: كيف قلتم إن اللطافة منع، ومعلوم أن الجزء الواحد إذا انضم إليه غيره يدرك؟ قلنا: الجزء الواحد إذا انضم إليه غيره خرج عن كونه لطيفا بل هو كثيف، فللكثافة تصح رؤيته.