مسائل سألها مشايخ المعتزلة لخصومهم:
مسائل سألها مشايخ المعتزلة لخصومهم:
  وقد سألهم مشايخنا رحمهم اللّه مسائل لا محيص لهم عنها.
  منها: هو أنا لو قدرنا أن يكون هاهنا رجلان دفعا إلى ظلمة شديدة، ضاع من أحدهما بدرة واستتر الآخر من العدو، فإن هذه الظلمة محسنة إلى من استتر من العدو، ومسيئة إلى من ضاع منه البدرة. وكذلك إذا طلعت الشمس فإن هذا النور محسن إلى من ضاع هذه البدرة منه، مسيء إلى من استتر عن العدو. وفي هذا فساد مذهبهم.
  وهذا السؤال إنما أورده شيخنا أبو الهذيل على بعض الثنوية فأسلم.
  ومن ذلك أخذ أبو الطيب قوله:
  فكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبر أن المانوية تكذب
  وقاك ردى الأعذار يسرى إليهم ... وزادك فيه ذو الدلال المحجب
  ومن هذه الأسئلة، أن أحدنا يعلم أنه كاذب، فمن الذي يعلم ذلك؟ فإن قالوا:
  النور، فقد وصفوه بخصلة من خصال الشر وهو الكذب، وإن قالوا: الظلمة، فقد وصفوه بخصلة من خصال الخير وهو العلم. ولا يملكهم أن يقولوا: إن العالم أحدهما والكاذب الآخر، لأن كلامنا في شخص واحد.
  ومنها: أن أحدنا يسيء ثم يعتذر فمن المسئ ومن المعتذر؟ فإن قالوا: النور، فقد وصفوه بخصلة من خصال الشر وهو الإساءة، وإن قالوا: الظلمة، فقد وصفوه بخصلة من خصال الخير وهو الاعتذار، فإن قالوا: الظلمة، تسيء والنور يعتذر، قلنا:
  الاعتذار من غير الإساءة قبيح، وهذا يقتضي وصف النور بخصلة من خصال الشر. فإن قالوا: الاعتذار من غير صاحب الإساءة لا يقبح، ولهذا فإن الوالد يعتذر من إساءة ولده، والراكب يعتذر من رفس دابته، قلنا: الوالد يعتذر من إساءة نفسه حيث ترك تأديب ولده، وكذلك الراكب إنما يعتذر من إساءة نفسه حيث لم يجر فرسه في السمت الذي يكون أبعد من الرفس.
  ومنها: أن أحدنا يغصب ثم يرد، فمن الغاصب ومن الراد؟ فإن قالوا: النور، قلنا قد وصفتموه بخصلة من خصال الشر وهو الغصب، وإن قالوا: الظلمة، قلنا: قد وصفتموه بخصلة من خصال الخير وهو رد المغصوب.