شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الدليل على أنه لا يكون عالما بعلم معدوم

صفحة 120 - الجزء 1

  الأحوال، فإنها عندنا غير معلومة بانفرادها، وإنما الذات عليها تعلم، ففارق أحدهما الأخر. والذي يدل على أن الأحوال لا تعلم، أنها لو علمت لتميزت عن غيرها بأحوال أخر، والكلام في الأحوال تلك، كالكلام فيها، يتسلسل إلى ما لا يتناهى من الأحوال، وذلك محال. على أنكم إن عنيتم بالمعاني ما نريده بالحال فمرحبا بالوفاق.

  فإن قالوا: إن هذه المعاني صفات والصفة لا توصف، إذ لو جاز أن توصف الصفة أدى إلى ما لا يتناهى من الصفات وصفات الصفات.

  قلنا: ليس يجب إذا جوزنا أن توصف الصفة، أن يوجد ما لا يتناهى من الصفات وصفات الصفات، إذ ليس يلزم على الجواز ما يلزم على الوجوب. وصار الحال فيه كالحال في الحيز إذا قلنا إنه يجوز الإخبار عنه، فكما لا يلزمنا ما ذكرتموه فيه، كذلك هاهنا. وهذا لأن الجواز مخالف للوجوب، فلا يجوز إجراء أحدهما مجرى الآخر.

  فإن قيل: أبطلوا هذه الأقسام ليتم لكم ما ذكرتموه.

الدليل على أنه لا يكون عالما بعلم معدوم

  قلنا: أما الذي يدل على أنه تعالى لا يجوز أن يكون عالما بعلم معدوم، فهو أنه لو جاز أن يكون كذلك لجاز مثله في الواحد منا، ومعلوم خلافه.

  وهذه طريقة مستقيمة يمكن تمشيتها، ولا يمكن الاعتراض عليها بأن يقال: أليس اللّه تعالى مريدا بإرادة محدثة موجودة لا في محل، ولا يجوز ذلك في الواحد منا، فهلا جاز مثله في مسألتنا. لأن الفرق بينهما ظاهر، وقد بين ذلك في غير هذا الموضع.

  والطريقة المرضية المعروفة في هذا، هو أن نقول: إن في العدم جهلا كما أن فيه علما، فلو جاز أن يكون اللّه تعالى عالما بعلم معدوم، لجاز أن يكون جاهلا بجهل معدوم، وذلك يؤدي إلى أن يكون عالما بالشيء جاهلا به دفعة واحدة، وهذا محال.

  ويمكن أن نسلك هذه الطريقة في كونه مريدا وكارها، فنقول: إن في العدم كراهة كما أن فيه إرادة، فلو جاز أن يكون اللّه تعالى مريدا بإرادة معدومة، لجاز أن يكون كارها بكراهة معدومة، وهذا يقتضي أن يكون مريدا للشيء كارها له دفعة واحدة، وهذا محال.