حول نفاة الأحوال
فصل والغرض به الكلام في أنه تعالى حي
  وتحرير الدلالة على ذلك، هو ما قد ثبت أن اللّه تعالى عالم قادر، والعالم القادر لا يكون إلا حيا. وبأي واحدة من الصفتين استدللت جاز، إلا أنا جمعنا بينهما اقتداء بالشيوخ وتبركا بكلامهم.
  وهذه الدلالة مبنية على أصلين:
  أحدهما، أن اللّه تعالى عالم قادر.
  والثاني أن العالم القادر لا يكون إلا حيا.
  أما الأول: فقد تقدم.
  وأما الثاني، فهو أنا نرى في الشاهد ذاتين: أحدهما صح أن يقدر ويعلم كالواحد منا، والآخر، لا يصح أن يقدر ويعلم كالجماد، فمن صح من ذلك فارق من لا يصح من الأمور، وليس ذلك الأمر إلا صفة ترجع إلى الجملة وهي كونه حيا، فإذا ثبت هذا في الشاهد، ثبت في الغائب، لأن طرق الدلالة لا تختلف شاهدا وغائبا.
  فإن قيل: إنا نعلم هذا الحكم في الشاهد اضطرارا فكيف دللتم عليه؟ قلنا: إنا نعلم ضرورة التفرقة بين الحي والجماد، فأما أن هذه التفرقة ترجع إلى صفة راجعة إلى الجملة فلا تعلم إلا بدليل، ولهذا فإن نفاة الأحوال يشاركون في العلم بهذه التفرقة، ثم لا يثبتون الحال على ما نقوله.
حول نفاة الأحوال
  فإن قيل: إن من صح أن يحيا فارق من لا يصح أن يحيا، كما أن من صح أن يعلم ويقدر فارق من لا يصح ذلك فيه، فلو أوجبتم في هذه المفارقة أن تكون معللة بصفة ترجع إلى الجملة، لوجب في تلك المفارقة أيضا مثله، فإن أجبتم إلى ذلك، لزمكم فيمن اختص بتلك الصفة إذا ما فارق من لا يختص بها، أن تكون تلك المفارقة لصفة أخرى راجعة إلى الجملة، والكلام فيها كالكلام في هذه فيتسلسل إلى ما يتناهى، وهذا محال.
  والأصل في الجواب عن ذلك، أن الذي يجب في مجرد المفارقة أن تكون معللة بأمر ما، ثم إن ذلك الأمر ليس إلا صفة ترجع إلى الجملة، فإنما يعرف بنظر مستأنف.
  وقد نظرنا في المفارقة بين من صح أن يعلم ويقدر وبين من لا يصح ذلك فيه،