البعثة لطف للمكلفين
  عليه، فلا بد من اعتبار أن يكون من جهة فاعل عدل حكيم أو في الحكم كأنه من جهته على ما سبق، فإنه لو لم يكن كذلك لم يكن في المعجز دلالة على صدق أحد.
  وإنما قلنا ذلك لأن دلالة المعجز على ما يدل عليه بطريقة التصديق، ألا ترى أن من ادعى بحضرة ملك أنه رسوله إلى الرعية، وجعل الدلالة على صدقه أنه متى أراد وضع التاج على رأسه فعل، فإنه متى فعل ذلك كان بمنزلة أن يقول له صدقت في دعواك، وإذا كان هذا هكذا، فلو جوزنا أن يكون هذا المعجز من جهة من يصدق الكاذب لا يمكننا أن نعلم صدق من ظهر عليه. ولهذا قلنا: إن هؤلاء المجبرة لا يمكنهم أن يعرفوا النبوات لتجويزهم القبائح على اللّه تعالى.
  فمتى حصل المعجز على هذه الأوصاف والشرائط التي راعيناها كان دالا على صدق المدعي للنبوة، وإذ قد عرفت ذلك من حال المعجز، فقد ظهر لك الفرق بينه وبين الشعوذة وما يتوصل إليه بالحيلة، لما قد ذكرنا من أن المعجز لا بد أن يكون من جهة اللّه تعالى أو في الحكم كأنه من جهته جل وعلا، وليس كذلك الحيلة. وكذلك فإن المعجز لا بد أن يكون ناقضا للعادة خارقا لها، وليس هكذا سبيل ما يتوصل إليه بالحيلة وخفة اليد. وكذلك فإن الحيلة مما يمكن أن تتعلم وتعلم، وهذا غير ثابت في المعجز. وكذلك فإن الحيل مما يقع فيها الاشتراك، وليس كذلك المعجز. وكذلك فإن الحيلة تفتقر إلى آلات وأدوات لو فقدت واحدة منها لم تنفذ، وليس كذلك المعجز.
  وأقوى ما يذكر هاهنا، أن المشعوذ والمحتال إنما ينفذ حيلته على من لم يكن من أهل صناعته ولا يكون له بها دراية ومعرفة، وليس هذا حال المعجزة، فقد جعل اللّه سبحانه وتعالى معجزة كل نبي مما يتعاطاه أهل زمانه، حتى جعل معجزة موسى # قلب العصا حية، لما كان الغالب على أهل ذلك الزمان السحر، وجعل معجزة عيسى # إبراء الأكمه والأبرص، لما كان الغالب على أهل زمانه الطب، وجعل معجزة نبينا محمد ﷺ القرآن وجعله في أعلى طبقات الفصاحة، لما كان الغلبة للفصاحة والفصحاء في ذلك الزمان، وبها كان يفاخر أهله ويتباهى. فقد وضح لك بهذه الوجوه الفرق بين المعجز والحيلة.
البعثة لطف للمكلفين
  ثم إنه |، ذكر أن البعثة لا بد من أن تكون لطفا للمكلفين، وأن يكون مفعولا على أبلغ الوجوه وذكر الصفات التي يكون المبعوث عليها.