شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الواحد منا حي وجسم فهل يكون الله كذلك؟

صفحة 106 - الجزء 1

  فإن قيل: فما أنكرتم أن العالم القادر في الشاهد إنما يجب كونه حيا، لأنه عالم بعلم، قادر بقدرة، والعلم والقدرة معينان يرجع حكمهما إلى الجملة، والجملة لا تعتبر إلا بالحياة، وليس كذلك القديم تعالى لأنه شيء واحد لا ثاني له فلا يحتاج إلى الحياة، فلا يجب أن يكون حيا؟ قلنا: إنما قلنا إن العالم القادر في الشاهد إنما وجب كون حيا لتعلق بين هاتين الصفتين، لا لما ذكرتموه.

  فإن قيل: كونه عالما قادرا فرع على كونه حيا، والاستدلال بكونه قادرا عالما عليه، استدلال بفرع الشيء على أصله، قلنا: إنما كان يلزم لو لم نعلم كونه عالما قادرا ما لم نعلم كونه حيا، وليس كذلك، فإن العلم لا يجب مطابقته للمعلوم في الترتيب، بل ربما يطابقه كما في كونه حيا مع كونه مدركا، وربما لا يطابقه كما في كونه قادرا مع صحة الفعل، وكما في كونه حيا مع كونه عالما قادرا. يبين ذلك ويوضحه، أن القديم تعالى وكونه قادرا أصل لحدوث العالم، وحدوث العالم فرع على اللّه وعلى كونه قادرا، ثم إنا نستدل بحدوث العالم على اللّه تعالى، لا ذلك إلا أنه لا يجب في العلم أن يكون مطابقا للمعلوم في الترتيب.

  فإن قيل: إن الواحد منا إذا كان حيا كما صح أن يكون عالما قادرا، يصح أن يكون مشتهيا ونافرا، فجوزوا مثل ذلك في الغائب وإلا فما الفرق؟ قلنا: الفرق أن كونه حيا إنما يصحح كونه مشتهيا ونافرا بشرط جواز الزيادة والنقصان عليه، والزيادة والنقصان لا يجوزان على اللّه تعالى، فلا يجب إذا كان حيا صحة أن يكون مشتهيا ونافرا. وليس كذلك في كونه قادرا وعالما، لأن كونه حيا إنما نصححهما لا بشرط، ففارق أحدهما الآخر، وجرى ما ذكرته مجرى أن يقال: إذا كان اللّه تعالى حيا لزمه صحة أن يكون جاهلا، لأن كونه حيا كما يصحح كونه عالما يصحح كونه جاهلا، فكما أنا نقول إن كونه حيا إنما يصحح كونه جاهلا بشرط أن لا يجب كونه عالما، فهذا الشرط مفقود في حق القديم تعالى، كذلك في مسألتنا.

  فإن قيل: هذا كله ينبني على أن كونه حيا صفة زائدة على كونه قادرا، والمخالف لا يساعدكم عليه، فبينوا ذلك وإلا كنتم مستدلين بالشيء على نفسه، قيل له: إن الذي يعرف به اختلاف الصفتين لا يعدو أحد أمور ثلاثة، إما الإدراك على مثل ما نقوله في السواد والبياض أنهما مختلفين لأن الإدراك يقتضي اختلافهما، وإما الوجدان من من النفس، وإما اختلاف الحكمين على مثل ما نقوله في كونه قادرا وعالما فإنه لما