شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

استدلال المخالف على أنه عالم بعلم

صفحة 133 - الجزء 1

  ولا حاصر، لجاز أن يتعلق بما لا نهاية له وبالشيء على ما ليس به كما يتعلق به كالاعتقاد، وذلك محال.

  وبعد فما من معلومين إلا ويصح أن يعلم أحدهما ولا يعلم الآخر، وهذا يدل على أن العلم الواحد لا يتعلق بأزيد من متعلق واحد على طريق التفصيل.

  فإن قال: كيف يصح قولكم هذا، ومعلوم أن من عرف الفرع عرف الأصل لا محالة، وكذلك فمن أدرك المدركات فإنه يجب أن يعلمها كلها، حتى لا يجوز أن يعلم البعض دون البعض وهذا ينفي ما ذكرتموه؟

  قيل له: أما الأول، فلا يصح أن يعلم بعضها ولا يعلم البعض بأن يكون هناك لبس فلا يقدح ذلك فيما قلناه.

  وقد تعلق المخالف في هذا الباب بشبه، وشبههم على ضربين: أحدهما ما يستدلون به ابتداء على أنه تعالى عالم بعلم، والثاني ما يريدون به إبطال كلامنا في أنه تعالى عالم لذاته حتى يبقى لهم أنه تعالى عالم بعلم.

استدلال المخالف على أنه عالم بعلم

  فمن الضرب الأول قولهم: قد ثبت أنه عالم فيجب أن يكون عالما بعلم لأن العالم من له العلم. يبين ذلك أنا لم نر في الشاهد عالما إلا بعلم، فكذلك في الغائب، وصار الحال فيه كالحال في الحركة، فكما أنا لم نر في الشاهد محتركا إلا بحركة وجب مثله أن يكون في الغائب، كذلك في مسألتنا.

  وربما قالوا: لما لم يجز أن يكون في الشاهد أسود إلا بسواد، وجب مثله في جميع المواضع، وكذلك فلما لم يكن الجسم فيما بيننا إلا بالطول والعرض والعمق وجب مثله في الغائب، كذلك يجب في كونه تعالى عالما، وهذا يقتضي صحة ما قلناه.

  وربما يروون ذلك على وجه آخر، فيقولون: إن العلم علة في كون الذات عالما، والعلة يجب فيها الطرد والعكس، وهذا يوجب في كل عالم أن يكون عالما بعلم، وفي ذلك ما نريده. وصار الحال فيه كالحال في الحركة، فكما أنها لما كانت علة في كون الجسم متحركا، وجب فيها الطرد والعكس، حتى وجب في كل متحرك أن يكون متحركا بحركة، وأيضا فإن السواد لما كان علة في كون الأسود أسود، وجب فيه الطرد