شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الضرب الثاني من شبههم على أنه تعالى عالم لذاته وقولهم إنه عالم بعلم

صفحة 138 - الجزء 1

  أن يكون احتياجه إلى ذلك لمجرد هذه الصفة، ومجرد هذه الصفة ثابت في القديم تعالى، فيجب أن يكون عالما بعلم.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن العالم منا يحتاج إلى العلم لا لمجرد هذه الصفة ولا لجوازها، بل لتجددها مع جواز أن لا تتجدد، وهذا غير ثابت في القديم تعالى، فلا يجب أن يكون عالما بعلم.

  ثم يقال لهم: إن الموجود منا يحتاج إلى موجود، فلا يخلو، إما أن يكون احتياجه إلى هذا الموجود لمجرد الصفة، أو لجوازها. لا جائز أن يكون احتياجه إلى ذلك لجواز هذه الصفة لأن الجواز ثابت في المعدوم فلا يحتاج إلى الموجود، فلم يبق إلا أن يكون احتياجه إلى موجد يوجده لمجرد الوجود، وهذا ثابت في القديم تعالى فيجب أن يحتاج إلى موجد يوجده، فكما أنهم يقولون إن الموجود منا لا يحتاج إلى موجد لمجرد هذه الصفة ولا لجوازها، بل إنما يحتاج إلى ذلك لتجدد هذه الصفة مع جواز أن لا تتجدد، وهذا غير ثابت في القديم تعالى، كذلك في مسألتنا.

  فهذا هو الكلام فيما استدلوا به ابتداء على أنه تعالى عالم بعلم، والجواب عنه.

الضرب الثاني من شبههم على أنه تعالى عالم لذاته وقولهم إنه عالم بعلم

  وأما الضرب الثاني من شبههم، فنحو قولهم: أنه تعالى لو كان عالما لذاته، لوجب أن تكون ذاته بصفة العلم، لأن العلم إنما يتبين عما ليس بعلم بإيجابه كون الذات عالما، حتى لو لم يوجب ذلك لم يكن علما. وربما يغيرون العبارة فيقولون:

  إنه تعالى لو كان عالما لمعنى، لوجب في ذلك المعنى أن يكون بصفة العلم، وكذلك إذا كان عالما لذاته وجب في ذاته أن تكون بصفة العلم، وفي ذلك ما نريده.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أنهم إنما يوردون هذه الشبهة لاعتقادهم الخطأ فينا، أنا سلكنا في قولنا أنه تعالى عالم لذاته طريقة التعليل، وجعلنا ذاته تعالى كالعلة في هذه الصفة ولا يحتاج إلى شيء آخر، وصار الحال في ذلك كالحال في قولنا في الجوهر أنه جوهر لذاته، على معنى أن ذاته كاف في حصول هذه الصفة وأن به يقع الاستغناء عما عداه، فكيف يصح كلامهم.

  وأما قولهم: إن العلم يتبين عما ليس بعلم بإيجابه كونه الذات عالما، حتى أنه لو لم يوجب خرج عن كونه علما فليس بأولى من أن يعكس فيقال: إنما أوجب كون العالم عالما لكونه علما، حتى أنه لو لم يكن علما لم يكن ليوجب هذه الصفة، وهذا