شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

تغليب رأي أبي إسحاق

صفحة 142 - الجزء 1

تغليب رأي أبي إسحاق

  والطريقة المرضية المعتمدة في ذلك، ما ذكره شيخنا أبو إسحاق بن عياش، وهو أنه تعالى لو جازت عليه الشهوة لكان لا يخلو، إما أن يكون مشتهيا لذاته، أو لصفة من صفاته، أو لمعنى، أو لفاعل. والأقسام كلها باطلة. فليس إلا أن لا يكون مشتهيا أصلا.

  فإن قالوا: لم لا يجوز أن يكون مشتهيا لذاته؟ قلنا: لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون ملجأ إلى خلق المشتهيات وإلى أن يزيد فيها إلى ما لا نهاية له، لعلمه بأنه ينتفع بها ولا مضرة عليه في الحال ولا في المآل، وصار الحال فيه تعالى كالحال في أحدنا إذا علم أن بحضرته بدرة ولا ضرر عليه في أخذها لا في الحال ولا في المآل، فكما أنه يكون ملجأ إلى تناولها والانتفاع بها، كذلك القديم تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وبهذه الطريقة يعلم أنه تعالى لا يجوز أن يكون مشتهيا لما هو عليه في ذاته، ولا بالفاعل.

  فإن قالوا: لم لا يجوز أن يكون مشتهيا لمعنى؟ قلنا: لأن ذلك المعنى لا يخلو، إما أن يكون قديما، أو محدثا. لا يجوز أن يكون قديما، لأن القدم صفة من صفات النفس، والاشتراك فيها يوجب التماثل، وهذا يوجب في ذلك المعنى أن يكون مثلا للّه تعالى ولا مثل له على ما بنينه إن شاء اللّه تعالى. وبعد، فكان يجب أن يكون مشتهيا فيما لم يزل، وذلك يقتضي أن يكون ملجأ إلى خلق المشتهى، وفي ذلك لزوم قدم العالم وقد دللنا على حدوثه. ولا يجوز أن يكون محدثا لأنه يجب أن يكون ملجأ إلى تحصيل ذلك المعنى وتحصيل المشتهى جميعا، وصار الحال في ذلك كالحال فيمن يرى بدرة على خطا منه، فإنه كما يكون ملجأ إلى تناولها، يكون ملجأ إلى قطع تلك المسافة التي بينه وبينها، كذلك في مسألتنا، لو كان القديم تعالى مشتهيا بشهوة محدثة لكان يجب أن يكون ملجأ إلى تحصيل الشهوة والمشتهى، وذلك محال.

  وبهذه الطريقة نعلم أنه تعالى لا يجوز أن يكون نافرا، لأنه لو كان كذلك لكان، إما أن يستحقه ذاته، وذلك يوجب أن يكون ملجأ إن أن لا يخلق شيئا من المنفرات التي خلقها وقد عرف خلافه، أو يستحقها لما هو عليه في ذاته أو بالفاعل، وذلك أيضا يوجب ما ذكرناه، وإما أن يستحقه لمعنى، وذلك المعنى إما أن يكون قديما وذلك يقتضي أن يكون مثلا للّه تعالى أو يكون محدثا وذلك لا يصح لما ذكرناه في الشهوة.