شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الشبه السمعية:

صفحة 150 - الجزء 1

  لأنه عالم لذاته، قادر لذاته، فلا يجب إذا كان عالما قادرا أن يكون جسما.

  ثم يقال لهم: الواحد منا إذا كان عالما قادرا كما يجب أن يكون جسما، يجب أن يكون ذا قلب وضمير، وأن يكون مركبا من لحم ودم، فقولوا مثله في القديم تعالى، والقوم لا يقولون بذلك.

  شبهة أخرى لهم في المسألة، وهو أنهم قالوا: المعقول إما الجسم وإما العرض والقديم تعالى يستحيل أن يكون عرضا، فيجب أن يكون جسما. قلنا: ما تعنون بالمعقول؟ فإن أردتم المعلوم، ففيه وقع النزاع وهلا جاز أن يكون هاهنا ذات معلوم مخالف للأجسام والأعراض وهو القديم تعالى. وإن أردتم به ما يمكن اعتقاده، فهو نفس التنازع فيه أيضا. وهلا جاز أن يكون هاهنا ذات يمكن اعتقاده ولا يكون جسما ولا عرضا وهو اللّه تعالى.

  فإن قيل: إنا نعني بالمعقول ما قد شوهد نظيره، قلنا: وهلا جاز أن يكون هاهنا ذات لم يشاهد نظيره قط وهو اللّه تعالى. ثم يقال لهم ألستم قد أثبتم الحياة والقدرة وإن لم تشاهدوا نظيرا قط، فهلا جاز مثله في مسألتنا؟ هذا هو الكلام في شبههم من جهة العقل.

الشبه السمعية:

  وأما شبههم من جهة السمع فكثيرة.

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى.

  منها: قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ٥}⁣[طه: ٥] قالوا الاستواء إنما هو القيام والانتصاب، والانتصاب والقيام من صفات الأجسام، فيجب أن يكون اللّه تعالى جسما.

  والأصل في الجواب عن ذلك أن يقال لهم: أولا إن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة غير ممكن، لأن صحة السمع موقوفة عليها، لأنا ما لم نعلم القديم تعالى عدلا حكيما لا نعلم صحة السمع، وما لم نعلم أنه غني لا تجوز عليه الحاجة لا نعلمه عدلا، وما لم نعلم أنه ليس بحسم لا نعلمه غنيا، فكيف يمكن الاستدلال بالسمع على هذه المسألة، وهل هذا إلا استدلال بالفرع على الأصل؟ وذلك محال من وجه آخر، هو أنا ما لم نعلم به عالما لذاته لا نعلمه عدلا، والجسم يستحيل أن يكون