يصح الاستدلال بالجمع والعقل فيها.
  الاستعمال معا ويزولا معا، ومعلوم أن الإرادة والمحبة واحدة ثم يستعمل أحدهما حيث لا يستعمل الآخر، فيقال: أحب جاريتي ولا يقال: أريدها، قلنا: كلامنا فيما إذا استعملا حقيقة، وهذا فقد استعمل مجازا، وحقيقته أحب الاستمتاع بها، فلا جرم يجوز أن يقول: أريد الاستمتاع بها، وصار الحال فيما ذكرناه كالحال في الغائط فإنه المكان المطمئن في الأصل، ثم يتجوز به في الكتابة عن قضاء الحاجة، ولا يستعمل بدله المكان المطمئن في الكتابة عن قضاء الحاجة لما كان ذلك الاستعمال على سبيل التوسع والمجاز لا على وجه الحقيقة، كذلك هاهنا.
  فإن قيل: أليس أنهم يقولون: أدركت ببصري حرارة الميل، فكيف يصح قولكم:
  إن الإدراك إذا قرن بالبصر لا يحتمل إلا الرؤية؟ قلنا: ليس هذا من اللغة في شيء وإنما اخترعه ابن أبي بشر الأشعري ليصحح مذهبه به، إذ لم يرد في كلامهم لا المنظور ولا المنثور.
  يبين ما ذكرناه ويوضحه، أن هذه الباء إذا دخلت على الأسامي أفادت أنها آلة فيما دخلت فيه، كقولهم مشيت برجلي وكتبت بقلمي. والبصر ليس بآلة في إدراك الحرارة إذ الخيشوم يشاركه في ذلك، فلو كان آلة فيه لم يجز ذلك. ألا ترى أن البصر لما كان آلة في الرؤية لم يشاركه فيه آلة السمع وغيره من الحواس، كذلك كان يجب مثله في مسألتنا.
  على أنا لم نقل: إن الإدراك إذا قرن بالبصر، وقيد بالحرارة فإنه لا يفيد إلا الرؤية، حتى يكون هذا نقضا لكلامنا، وإنما قلنا: إنه إذ اقترن بالبصر لا يحتمل إلا الرؤية، فلا يتوجه هذا على ما قلناه.
  فإن قيل: ولم قلتم إن هذه الآية وردت مورد التمدح؟ قلنا: لأن سياق الآية يقتضي ذلك. وكذلك ما قبلها وما بعدها، لأن جميعه في مدائح اللّه تعالى، وغير جائز من الحكيم أن يأتي بجملة مشتملة على المدح ثم يخلطها بما ليس بمدح البتة، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحدنا: فلان ورع تقي نقي الجيب مرضي الطريقة أسود يأكل الخبز يصلي الليل ويصوم النهار، لما لم يكن لكونه أسود يأكل الخبز تأثير في المدح.
  يبين ذلك، أنه تعالى لما بين تميزه عما عداه من الأجناس بنفي الصاحبة والولد بين أنه يتميز عن غيره من الذوات بأن لا يرى ويرى. وبعد، فإن الأمة اتفقوا على أن