شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الأقوال في التمدح بعدم الرؤية.

صفحة 159 - الجزء 1

  الواحد الغير بأنه جاهل قوي القلب شجاع. قيل له: إن ما وضع للنقص من الأوصاف نحو قولنا، جاهل وعاجز وما شاكلها، لا تختلف فائدته، ولا تتغير حاله لا بالانضمام ولا عدم الانضمام، بل يفيد النقص بكل حال سواء ضم إلى غيره أو لم يضم، وليس كذلك سبيل ما ليس بمدح ولا نقص، فإن ذلك مما لا يمتنع أن يصير مدحا بغيره على ما ذكرناه.

  فإن قيل: فجوزوا أن يصير قولنا أسود مدحا، بأن ينضم إليه قولنا عالم، ومعلوم أن ذلك لا يصير مدحا لما لم يكن مدحا في نفسه، فإذا لم يجز أن يصير مدحا، فكذلك لا يجوز في قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}⁣[الأنعام: ١٠٣] أن يصير مدحا بأن ينضم إليه قوله: {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} قيل له: إنا لم نقل: إن ما ليس بمدح إذا انضم إلى ما هو مدح صار مدحا على كل حال، بل قلنا: إن ما ليس بمدح إذا انضم إلى ما هو مدح وحصل بمجموعهما البينونة صار مدحا، ولم تحصل البينونة بانضمام قولنا أسود إلى قولنا عالم، بخلاف مسألتنا، لأنه حصل هاهنا بينونة على الوجه الذي ذكرناه.

  فإن قيل: وما وجه البينونة؟ قلنا وجه البينونة هو أنه يرى ولا يرى.

  فإن قيل: هلا جاز أن تكون جهة التمدح هو كونه قادرا على أن يمنعنا من رؤيته؟ قلنا: هذا تأويل بخلاف تأويل سائر المفسرين، وما هذا سبيله من التأويلات يكون فاسدا. وبعد، فإن هذا حمل خطاب اللّه تعالى على غير ما تقتضيه حقيقة اللغة ومجازها، فلا يجوز.

  يبين ذلك، أن أحدنا إذا قال: فلان لا يرى، فإنه لا يقتضي كونه قادرا على أن يمنع من رؤيته، لا في حقيقة اللغة ولا في مجازها، فكيف يصح ما ذكر.

  فإن قيل: ولم قلتم إن هذا المدح يرجع إلى الذات؟

  قلنا: لأن المدح على قسمين، أحدهما: يرجع إلى الذات والآخر، يرجع إلى الفعل. وما يرجع إلى الذات فعلى قسمين، أحدهما: يرجع إلى الإثبات، نحو قولنا قادر عالم حي سميع بصير، والثاني: يرجع إلى النفي، وذلك نحو قولنا لا يحتاج ولا يتحرك ولا يسكن. وأما ما يرجع إلى الفعل فعلى ضربين أيضا، أحدهما: يرجع إلى الإثبات، نحو قولنا رازق ومحسن ومتفضل والثاني: يرجع إلى النفي، وذلك نحو قولنا لا يظلم ولا يكذب.