شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

دليل المقابلة الرؤية بالحاسة:

صفحة 168 - الجزء 1

  إنما يرى ما يراه بالحاسة على ما نقوله. يبين ذلك أنه لو رأى ما يراه برؤية خلقها اللّه تعالى فيه، لصح أن لا يخلقها مع هذه الأحوال كلها، فلا يرى المرئي، أو يراه مع فقد هذه الأمور، وذلك مستحيل.

  ويمكن إيراد هذه الدلالة على وجه آخر لا يلزمنا هذا السؤال، فيقال: إن أحدنا إنما يرى الشيء عند شرطين: أحدهما: يرجع إلى الرائي، والآخر: يرجع إلى المرئي، ما يرجع إلى الرائي فهو صحة الحاسة، وما يرجع إلى المرئي هو أن يكون للمرئي مع الرائي حكم، وذلك الحكم هو أن يكون مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل. وإذا أوردته على هذا الوجه سقط عنك هذا السؤال. على أن هذا السؤال الذي أورده ينبني على أن الإدراك معنى، وسنبين الكلام، في أن الإدراك ليس بمعنى إن شاء اللّه تعالى.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن أحدنا إنما لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلا له أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل، لأنه تعالى أجرى العادة بذلك، فلا يمتنع أن يختلف الحال فيه، فيرى القديم جل وعز في دار الآخرة.

  قيل له: إن ما يكون بمجرى العادة يجوز اختلاف الحال فيه، ألا ترى أن الحر والبرد والثلج والمطر لما كان بمجرى العادة اختلف بحسب البلدان والأهوية، فكان يجب مثله في مسألتنا لو كان ذلك بالعادة. فيجب صحة أن يرى الشيء أحدنا. وإن لم يكن مقابلا له ولا حالا في المقابل ولا في حكم المقابل في بعض الحالات، لاختلاف العادة، بل كان يجب أن يرى المحجوب كما يرى المكشوف، ويرى البعيد كما يرى القريب، ويرى الرقيق كما يرى الكثيف. ومتى ارتكبوا هذا كله، فالواجب أن يرى المحجوب كما يرى المكشوف، ومعلوم خلافه.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن ذلك من باب ما تستمر العادة فيه، كما في حصول الولد من ذكر وأنثى، وكطلوع الشمس من مشرقها وغروبها مغربها، وكحصول كل جنس من الحيوانات من جنسه، وكتاب الزرع وما يجري هذا المجرى.

  وجوابنا: أنا لم نوجب فيما طريقه العادة أن يختلف الحال على كل وجه، بل إذا اختلفت من وجه واحد كفى، وما من شيء من هذه الأشياء التي ذكرتها إلا والحال فيه مختلف على وجه. ألا ترى أن الولد قد يحصل لا من ذكر وأنثى، فإن آدم # خلق لا من ذكر وأنثى، وعيسى # خلق لا من ذكر، وفيما بيننا فما من ولد