شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه القوم في هذا الباب

صفحة 179 - الجزء 1

  الرؤية، لأن أحدهما يستعمل حيث لا يستعمل الآخر، بل يثبت بأحدهما وينتفى بالآخر، ولا يتناقض الكلام، وقال: لو كان اللقاء بمعنى الرؤية لم يختلف الحال فيه بالمؤمنين. وقد قال اللّه تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} فيجب أن يدل على أن المنافقين يرونه. فقال له القاضي: من أين لك هذا؟ فقال له: من رجل بالبصرة يقال له أبو علي بن عبد الوهاب الجبائي، فقال: لعن اللّه ذلك الرجل. لقد بث الاعتزال في الدنيا حتى سلط الملاحين على القضاة.

  ومما يتعلقون به، قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ١٥} قالوا: بين اللّه تعالى أن الكفار يوم القيامة محجوبون عن رؤية اللّه، وهذا يدل على أن المؤمنين لا يحجبون، وفي ذلك ما نقوله.

  والأصل في جوابه، أن هذا استدلال بدليل الخطاب، وذلك لا يعتمد في فروع الفقه فكيف في أصول الدين. وبعد، فليس في ظاهر الآية ما يدل على أن الكفار يوم القيامة محجوبون عن رؤية اللّه، لأنه تعالى قال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ١٥}⁣[المطففين: ١٥] ولم يقل عن رؤية ربهم. ومتى قالوا: المراد بقوله عن ربهم، عن رؤية ربهم، قلنا: ليس كذلك، بل المراد عن ثواب ربهم، لأنكم إذا عدلتم عن الظاهر فلستم بالتأويل أولى منا، فنحمله على وجه يوافق دلالة العقل.

  ومما يتعلقون به، إجماع الصحابة على أنه تعالى يرى، وإجماعهم حجة، فيجب القضاء بأنه تعالى يرى.

  قلنا: لا يمكن ادعاء إجماع الصحابة على ذلك، فقد روي عن عائشة أنها قالت لما سمعت قائلا يقول إن محمدا رأى ربه، فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثلاثا من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على اللّه تعالى، ثم تلت قوله تعالى {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ}⁣[الشورى: ٥١].

  وبعد، فمعلوم من حال أمير المؤمنين علي # وكبار الصحابة، أنهم كانوا ينفون الرؤية عن اللّه تعالى. وأنت إذا نظرت في خطب أمير المؤمنين، وجدتها مشحونة بنفي الرؤية عن اللّه تعالى، فيبطل ما قالوا.