شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل في نفي الثاني

صفحة 186 - الجزء 1

  الكلام عليهم إن شاء اللّه تعالى وبه الثقة.

  ونحن نورد دلالة تعم كلا المذهبين بالافساد، فنقول: لو كان مع اللّه تعالى قديم ثان لوجب أن يكون مثلا له لأن القديم صفة من صفات النفس، والاشتراك فيها يوجب التماثل والاشتراك في سائر صفات النفس. وإذا كان كذلك، والقديم تعالى قادرا لذاته وجب أن يكون الثاني أيضا قادرا لذاته، فيجب صحة وقوع التمانع بينهما، لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد، ومن حقه أيضا أن يحصل مقدوره إذا حصل داعيه إليه ولا منع وذلك يوجب ما ذكرناه. إذا ثبت هذا، فلو قدّر وقوع التمانع بينهما، بأن يريد أحدهما تحريك جسمه والآخر يريد تسكينه لكان لا يخلو، إما أن يحصل مرادهما وذلك يؤدي إلى اجتماع الضدين، أو لا يحصل مرادهما، وذلك يقدح في كون الواحد الذي يثبت بالدلالة قادرا لذاته، أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر. فمن حصل مراده فهو الإله، ومن لم يحصل مراده فهو الممنوع.

  والممنوع متناهي المقدور قادر بقدرة والقادر بالقدرة لا يكون إلا جسما، وخالق العالم لا يجوز أن يكون جسما.

  وهذه الدلالة مبنية على أصول: منها أن القديم قديم لنفسه، ومنها أن الاشتراك في صفة صفات الذات يوجب التماثل والاشتراك في سائر الصفات، ومنها أن من حق كل قادرين صحة وقوع التمانع بينهما، ومنها أن من حق القادر على الشيء إذا دعاه الداعي أن يحصل لا محالة، حتى لو لم يحصل لخرج عن كونه قادرا، ومنها أن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد، ومنها أن من لم يحصل مراده يكون ممنوعا متناهي المقدور، ومنها أن متناهي المقدور لا بد من أن يكون قادرا بقدرة، ومنها أن القادر بالقدرة لا بد من أن يكون جسما، ومنها أن خالق العالم لا يجوز أن يكون جسما.

  أما الكلام في أن القديم قديم لنفسه، وأن الاشتراك فيها يوجب التماثل فقد تقدم.

  وأما الكلام في أن من حق كل قادرين صحة وقوع التمانع بينهما، فهو لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد، وإذا قدر عليه صح وقوع التمانع بينهما على ما ذكرنا.