استحالة المقدور الواحد بين قادرين
  للذات أو لمعنى.
  بيان ذلك، أن من حق القادر على الشيء إذا دعاه الداعي إلى فعل، أن يحصل لا محالة، وفي ذلك صحة ما نقوله، وكان يقول: إن هذه الصفة لا تقع في الذوات إلا مختلفة، كما أن القدرة لا تقع إلا مختلفة. إلا أن الاعتماد على هذه الطريقة لا يصح لأن هذا ينقض الأصل الذي مهدناه من قبل، وهو أن الاشتراك في صفة من صفات الذات يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات، فكان يجب إذا قدر أحدهما على شيء لذاته، أن يكون الآخر قادرا على ذلك الشيء.
  والطريقة الثانية، ما ذكره قاضي القضاة. وتحريرها، هو أنا نعلم صحة التمانع بين كل قادرين وإن لم نعلم تغاير مقدورهما، ولهذا فإن نفاة الأعراض يعرفون صحة التمانع، وإن لم يخطر ببالهم تغاير المقدوران ولا تماثلها، إلا أن لقائل أن يقول: إنا ما لم نعلم تغاير المقدورين لا نعلم صحة التمانع، وأما ما ذكرتموه في نفاة الأعراض فليس يصح، لأن نفاة الأعراض يعرفون تغاير المقدورات على سبيل الجملة وإن لم يعلموا على سبيل التفصيل.
استحالة المقدور الواحد بين قادرين
  والطريقة الثالثة، وهو أن المقدور الواحد بين القادرين محال، وإثبات الثاني يؤدي إليه، فجب أن يكون محالا، لأن ما يؤدي إلى المحال يكون محالا مثله. وهذه الطريقة سهلة من طريق العلم، مشكلة من طريق الجدل، لأن للخصم أن يقول هذا انتقال من دلالة التمانع إلى دلالة أخرى. ويمكن أن يقال إن هذا ليس بانتقال، وإنما هو استعانة ببعض ما يذكر في دليل آخر ودفعا لسؤال السائل. يبين ذلك أنا لم نعتمد على هذا القدر، بل قلنا: لو كان مع اللّه قديم آخر لكان مثلا له، فكان يجب أن يكون قادرا كهو، ومن حق كل قادرين صحة التمانع بينهما. ثم لما أورد علينا هذا السؤال أسقطناه بقولنا: إن المقدور الواحد بين القادرين محال فلا يكون انتقالا.
  والأحسم للشغب، هو أن نحرر دلالة التمانع تحريرا آخر فنقول: لو كان مع اللّه تعالى قديم آخر لوجب أن يكون قادرا مثله، فلا يخلو، إما أن يكون مقدورهما واحدا، أو يكون مقدورهما متغايرا، لا يجوز أن يكون مقدورهما واحدا لأن المقدور الواحد بين القادرين محال، فيجب أن يكون مقدورهما متغايرا وإذا تغاير مقدورهما وجب صحة التمانع بينهما، فيؤدي إلى تلك الوجوه التي ذكرناها.