اللذة والألم من جنس واحد:
  ويشدون قوائمها ثم يدهدونها من هناك إلى أسفل، ثم يقولون: انزلي ولا تنزلي، ثم إذا سقطت وماتت يأكلونها ويقولون إنها يزدان كشت. وهذا هو بعينه مذهب القوم لأنهم يقولون: إن اللّه تعالى أمر الكافر بالإيمان، وهو لا يقدر عليه، ونهاه عن الكفر وهو لا يمكنه الانفكاك عنه.
  ووجه آخر من المضاهاة، هو أنهم يقولون: إن نكاح الأم والبنات بقضاء اللّه تعالى وقدره، كما أن المجبرة يقولون فيه وفي جميع المقبحات، أنها بقضاء اللّه وقدره، بل حالهم أسوأ من حال المجوس، لأن المجوس اعتقدوا أن نكاح البنات والأمهات حسن، ثم أضافوه إلى اللّه تعالى، والمجبرة اعتقدت فيه القبح ثم أضافته إلى اللّه تعالى.
  وقد ذكر وجوه في المضاهاة بين مذهب المجبرة ومذهب المجوس تركناها كراهية الإطالة. وإذ قد تقرر ذلك صح دخولهم تحت قول النبي ÷ «القدرية مجوس هذه الأمة» وسنعود إلى هذه الجملة إن شاء اللّه تعالى. فهذا هو الكلام على الثنوية من المانوية والديصانية والمرقيونية والمجوس.
  وشبههم في هذا الباب، هو أن قالوا: إن الآلام قبيحة كلها، والملاذ حسنة كلها، والفاعل الواحد لا يجوز أن يكون موصوفا بالخير والشر جميعا.
  وجوابنا، أنا لا نسلم أن الآلام قبيحة كلها. وأن الملاذ حسنة كلها، بل فيها ما يقبح وفيها ما يحسن، لأنها إنما تقبح وتحسن لوقوعها على وجه، ولهذا نستحسن بعقولنا تحمل المشاق في الأسفار طلبا للعلوم والأرباح وأن نفتصد ونحتجم، ونستقبح بعقولنا الانتفاع بالأشياء المغصوبة.
اللذة والألم من جنس واحد:
  وبعد: فلم لا يجوز في الفاعل الواحد أن يكون موصوفا بالخير والشر؟ فإن قالوا: لأنهما متضادان، قلنا: ومن أين أن الألم واللذة يتضادان ونحن لا نسلم ذلك بل هما من جنس واحد. وبعد فإن لم يجز في الفاعل الواحد أن يكون موصوفا بهذين دفعة واحدة، يجوز أن يوصف بهما على وقتين، فهلا جاز في الفاعل الواحد أن يفعل الألم في وقت واللذة في وقت آخر، فلا تحتاج إلى فاعلين.