شرح التثليث والرد عليه:
  أقانيم مناقضة ظاهرة، لأن قولنا في الشيء أنه واحد، يقتضي أنه في الوجه الذي صار واحدا لا يتجزأ ولا يتبعض، وقولنا ثلاثة يقتضي أنه متجزئ، وإذا قلتم: إنه واحد ثلاثة أقانيم كان في التناقض بمنزلة أن يقال في الشيء: إنه موجود معدوم، أو قديم محدث.
  وعلى أنه تعالى ليس بجوهر، إذ لو كان جوهرا لكان محدثا وقد ثبت قدمه، ففسد قولهم إنه جوهر واحد ثلاثة أقانيم.
  وبعد: فلو جاز في اللّه تعالى أن يقال إنه جوهر واحد، ثلاثة أقانيم لجاز أن يقال: إنه قادر واحد، ثلاثة قادرين، وعالم واحد ثلاثة عالمين، وحي واحد ثلاثة أحياء. ومتى قالوا كيف يكون قادرا واحد، ثلاثة قادرين؟ وعالم واحد ثلاثة عالمين؟
  قلنا: كما يكون شيء واحد ثلاثة أشياء، فليس بعد أحدهما في العقل إلا كبعد الآخر، فقد ظهر تناقض ما يقولونه في ذلك.
  فإن قيل: ألستم تقولون: إنسان واحد وإن كان ذا أجزاء وأبعاض، ودار واحد وإن اشتملت على بيوت وأروقة، وعشرة واحدة وإن اشتملت على آحاد كثيرة ثم لا يتناقض كلامكم، فهلا جاز أن نقول: جوهر واحد ثلاثة أقانيم ولا يتناقض كلامنا أيضا؟
  قيل له: ولا سواء، لأن هذه الأسماء كلها من أسماء الجمل. فالغرض بقولنا إنسان واحد أنه واحد من جملة الناس لأنه شيء واحد، وكذلك إذا قلنا دار واحدة وعشرة واحدة، بخلاف ما تقولونه في القديم تعالى فإنكم تجعلونه شيئا واحدا في الحقيقة، ثلاثة أشياء في الحقيقة، فيلزمكم التناقض من الوجه الذي ذكرنا.
  ثم يقال لهم: ما تعنون بهذه الأقانيم؟
  فإن قالوا: نعني بأقنوم الأب ذات الباري، قلنا: هب أنكم رجعتم بهذا الأقنوم إلى ذات اللّه تعالى على بعد هذه العبارة وفسادها، فإلى ما ذا ترجعون بالأقنومين الآخرين؟
  فإن قالوا: نرجع بهما إلى صفتين يستحقهما القديم تعالى وهو كونه متكلما حيا، قلنا: إن الحي وإن كان له بكونه حيا حال، فليس له بكونه متكلما حال وإنما المرجع به إلى أنه فاعل للكلام على ما هو مبين في موضعه.