شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

معنى الاتحاد

صفحة 198 - الجزء 1

معنى الاتحاد

  وأما الكلام في الاتحاد، فالأصل فيه أن نبين حقيقته أولا.

  اعلم أن الاتحاد في اللغة افتعال من الوحدة، لأنهم متى اعتقدوا في الشيئين أنهما صارا شيئا واحدا يقولون: إنهما اتحدا. والشيئان وإن استحال أن يصيرا شيئا واحدا، إلا أنهم إذا اعتقدوا صحته لم يكونوا مخطئين في التسمية، وإنما خطؤهم في المعنى على مثل ما نقوله في تسميتهم للأصنام آلهة، وهذا لأن الأسامي تتبع اعتقادهم.

النساطرة: اتحاد المشيئة، اليعقوبية: اتحاد الذات

  وإذا قد عرفت ذلك، فاعلم أنهم وإن اتفقوا في الاتحاد اختلفوا في كيفيته، فمنهم من قال بالاتحاد من جهة المشيئة وهم النسطورية، ومنهم من قال إنه من جهة الذات وهم اليعقوبية.

النساطرة والاتحاد

  ونحن نبدأ بالكلام على النساطرة فنقول: قولكم أنه تعالى اتحد بالمسيح من حيث المشيئة، لا يخلو، إما أن تريدوا به أنه تعالى مريد بإرادة المسيح، وأن المسيح يريد بإرادة اللّه تعالى الموجودة لا في محل، أو تريدوا به أنهما لا يختلفان في الإرادة، بل لا يريد أحدهما إلا ما يريده صاحبه، وأي هذه الوجوه أردتم فهو فاسد.

  أما الأول، فلأنه تعالى لو جاز أن يريد بإرادة المسيح مع أنها موجودة في قلبه لجاز أن يريد بإرادة موجودة في قلب غيره من الأنبياء، وذلك يخرج المسيح من أن يتبين له مزية الاتحاد والنبوة.

  وبعد، فلو جاز أن يريد بإرادة في المسيح لجاز أن يكره بكراهة في إبراهيم #، لأن بعد أحدهما في العقل كبعد الآخر، وذلك يقتضي أن يكون حاصلا على صفات متضادة، وذلك مستحيل.

  وأما الثاني، فلأن الإرادة لا توجب للغير حالا إلا إذا اختصت به غاية الاختصاص، والاختصاص بالمسيح هو بطريقة الحلول، حتى يستحيل أن يريد بإرادة في قلب غيره، لا لوجه سوى أنها لم تحله، فكيف يريد بالإرادة الموجودة لا في محل ولا اختصاص لها به.