شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الحسن للحسن لا للمنفعة:

صفحة 209 - الجزء 1

  ونحن قبل الاشتغال بإفساد هذه المذاهب نصحح ما نقوله.

  فالذي يدل على ذلك هو أنا نعلم أن الظلم قبيح، وإنما قبح لكونه ظلما، بدليل أنا متى عرفناه ظلما عرفنا قبحه وإن لم نعرف أمرا آخر، ومتى لم نعرف كونه ظلما لم نعرف قبحه وإن عرفنا ما عرفنا. فبان أن الظلم إنما قبح لوقوعه على وجه وهو كونه ظلما، هذا لأن العلم بالقبح فرع على العلم بوجه القبح إما على جملة أو تفصيل، فيجب متى وقع على ذلك الوجه أن يكون قبيحا، سواء وقع من اللّه تعالى أو من العباد، لأن الحال فيه كالحال في الحركة وإيجابها كون الجسم متحركا، فكما لا يختلف ذلك بحسب اختلاف الفاعلين لما كانت علة، كذلك في مسألتنا.

  فإن قيل: لم لا يقبح القبيح بصفته وعينه على ما يقوله شيخكم أبو القاسم البلخي؟ قيل له: لأن الفعل الواحد يجوز أن يقع قبيحا مرة، بأن يقع على وجه مسببا وأخرى بأن يقع على خلاف ذلك الوجه، ألا ترى أن دخول الدار مع أنه شيء واحد لا يمتنع أن يقبح مرة، بأن يكون لا عن إذن، ويحسن أخرى بأن يكون عن إذن، وكذلك فالسجدة الواحدة لا يمتنع أن تحسن بأن تكون سجدة للّه تعالى، وتقبح بأن تكون سجدة للشيطان، ففسد ما قاله أبو القاسم.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن القبيح فإنما يقبح للنهي، أو لكوننا مربوبين محدثين على ما يقوله هؤلاء المجبرة قلنا: إنه لو كان كذلك لوجب إذا نهى اللّه تعالى عن العدل والإنصاف أن يكون قبيحا ومتى أمر بالظلم والكذب أن يكون حسنا لأن العلة فيها واحدة، والمعلوم خلافه.

  وبعد فلو حسن الفعل للأمر وقبح للنهي، لكان يجب كما لا يقبح من اللّه تعالى فعل لفقد النهي أن لا يحسن منه فعل أيضا لفقد الأمر.

  وبعد فلو كان كذلك، لوجب فيمن لا يعرف النهي والناهي، أن لا يعرف قبح الظلم والكذب، لأن العلم بالقبح يتفرع على العلم بوجه القبح، إما على جملة أو تفصيل. ومعلوم أن الملحدة يعرفون قبح الظلم، وإن لم يعرفوا النهي والناهي.

  فإن قيل: إنهم لا يعرفون قبح الظلم، وإنما يعتقدونه.

  قيل له: لو أمكن أن يقال ذلك هاهنا، لأمكن أن يقال إنهم لا يعرفون الفرق بين السواد والبياض لأن سكون النفس في أحدهما كسكون النفس في الآخر، وقد عرف خلافه.