شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل [وجوه من الإلزام على القول بأنه تعالى يفعل القبيح]

صفحة 214 - الجزء 1

  فوجب أن لا يختار القبيح.

  وهذه الدلالة غير الدلالة الأولى، لأنها كانت مبنية على استحالة الحاجة عليه وهذه غير مبنية عليها، ولذلك قلنا: إن المجسمة يمكنهم الاستدلال على كونه عدلا حكيما بهذه الطريق مع تجويزهم الحاجة عليه تعالى، وجعلنا حال المجبرة أسوأ من حالهم، لأنهم سدوا على أنفسهم طريقة العلم بعدل اللّه تعالى وحكمته.

  ومما أورده مشايخنا في هذا الباب، هو أن قالوا: لو فعل اللّه القبيح لكان يجب أن يكون جاهلا أو محتاجا، والجهل أو الحاجة لا يجوزان عليه تعالى، فيجب أن لا يختار القبيح بوجه من الوجوه.

  ومما ألزمهم مشايخنا رحمهم اللّه، هو أنه تعالى لو جاز أن يكون فاعلا لبعض القبائح لوجب أن يكون فاعلا لسائرها، لأن الحال في الجميع واحدة وهذا يوجب تجويز الظلم والكذب عليه حتى لا تقع الثقة بشيء من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده، وحتى يجوز أن يعاقب الأنبياء بذنوب الفراعنة ويثيب الفراعنة بطاعات الأنبياء والأبرار، لأن أكبر ما في هذه الأمور أن يكون قبيحا والقوم قد جوزوا عليه كل قبيح، ومن جوز هذا لزم أن لا يقول بربويته ولا أن يعبده، وفي ذلك من الفساد والكفر ما لا خفاء به.

  وربما يورد هذا الإلزام على وجه آخر، فيقال: لا يخلو حال القديم إذا جاز أن يفعل القبيح من أحد أمرين: إما أن يفعله ويقبح منه فعله، أو يفعله ويحسن منه.

  فإن قيل: بالأول لزمه ما ذكرناه من الوجوه، وإن قيل بالثاني لزم أيضا تجويز هذه القبائح وتحسن منه، ومن بلغ في التجاهل إلى هذا الحد فهو عن حد الإسلام خارج.

  ولما ألزمهم مشايخنا تجويز الكذب على اللّه تعالى، افترقوا فريقين.

  فمنهم: من جوزه، وهو العطوى من أصحاب الأشعري، ولقد مر على القياس واحتج عليهم بأن قال: ألستم قد جوزتم على للّه تعالى الظلم والقبائح، فكيف لا يجوز عليه الكذب، وليس الكذب بأعظم من الظلم وغيره من القبائح؟ وأوضح ذلك بمثال فقال: إن أحدنا لو قال لصبي أدخل البيت ففيه رمان موضوع لأجلك، وليس في البيت ذلك، فإن هذا ليس بأعظم من أن يقلع سنا من أسنانه أو يقطعه إربا إربا، وقد جوزتم على اللّه هذا، فجوزوا الكذب عليه أيضا.