شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام على النجارية:

صفحة 216 - الجزء 1

  فمنهم من قال: لا يجوز هذا لأنه قبيح واللّه تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبح، وهم النجارية. وقد تقدم الكلام عليهم، وذكرنا أنه لا معنى لقولهم أنه غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح مع أن سائر القبائح واقعة من قبله على سائر وجوهها، لأنه لو تفرد به لكان لا يزيد حاله على هذه الحال.

  وبعد، فكان يلزمهم تجويز أن يجعل اللّه ذلك كسبا لبعض الربانية فيعذبهم بذنوب الفراعنة، ومن بلغ إلى هذا الحد في التجاهل فقد انسلخ من الدين.

  ومنهم من قال: إنا لو خلينا وقضية العقل لكنا نجوز ذلك على اللّه تعالى إلا أن السمع منع منه. وجوابنا عن هذا أن هذا مكابرة، لأنه لا ظلم أفحش من معاقبة الغير بذنب الغير، وقد تقرر قبحه في عقل كل عاقل.

  ثم يقال لهم، وكيف الثقة بالسمع؟ وما الذي أمنكم من أن يكون كاذبا فيما أخبر به في كتابه، وذكره على لسان رسوله؟ يبين ما ذكرناه، أن إبليس لو بعث إلينا رسولا أو كتب كتابا يقول فيه أجيبوني وأطيعوني فإني لا أضلكم عن سواء السبيل، وأهديكم إلى الصراط المستقيم، فإنا لا نثق بقوله ولا نعتمد خبره لتجويزنا كل قبيح عليه. كذلك كان يجب أن لا تقع لهم الثقة باللّه تعالى عندهم، فإن حاله تعالى اللّه عن ذلك أسوأ حالا من إبليس.

  ومما ألزمهم مشايخنا، تجويزا أن يبعث اللّه تعالى رسولا كاذبا إلى الناس ويظهر المعجزة على يديه ليدعوهم إلى الضلال والكفر، لأن ذلك ليس بأعظم من توليه الإضلال بنفسه.

  فعند هذا الإلزام افترقا فرقتين:

  فمنهم من قال: إنما لم نجز ذلك لأنه قبيح اللّه تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبح، وهم النجارية. والكلام عليهم قد مر، ونعيد شطرا منه فنقول: أوليس تقع في العالم الأكاذيب ولا تقع إلا متولدة عن الاعتمادات، وعندكم أن المتولد لا يتعلق بالعبد أصلا لا اكتسابا ولا إحداثا فقد تفرد اللّه تعالى بها، فكيف تقولون إنه غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح؟.

  وأيضا فإنه قادر على إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص عند دعوى المدعي للنبوة وهو صادق، فيجب أن يكون قادرا على ذلك وهو كاذب، لأن القدرة على ذلك مما لا يتغير بكذب المدعي ولا بصدقه.