طريقة أخرى في أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم:
  بالضرب، لولا ذلك وإلا كان يجب أن يحصل هذا اللون في الجماد عند الضرب، لأن السبب حاصل والمحل محتمل، ولا منع معلوم خلافه.
  فإن قيل: أليس لا يجب في الضرب أن يولد الألم في الجماد وإن كان مولدا له في الحي، فهلا جاز مثله في اللون؟ قلنا: إنما لم يصح ذلك في الألم، لأن الضرب إنما بشرط انتفاء الصحة، هذا إنما يتأتى في بدن الحي دون الجماد، وليس كذلك في اللون، فظهر الفرق بينهما.
  وهكذا الكلام في بياض القبيطي، فإن ذلك اللون ليس بحادث بل هو لون كان فيه فظهر بالضرب، ولهذا يستعان في ذلك ببياض البيض، لولا ذلك وإلا يجب إذا صب الماء في الطنجير وضرب أن يبيض لأن السبب حاصل، والمحل محتمل ولا منع، والمعلوم خلافه.
  وكذا ما قالوه في خلط الزاج بالعفص، لأن ما ظهر من السواد كان كامنا فيها فظهر بالخلط، لولا ذلك وإلا كان تشيع هذه القضية في كل ما يعين بخلط أحدهما بالآخر.
  وكذا الجواب عما ذكروه في الحرارة وحصولها عند حك إحدى الراحتين بالأخرى، فإنها حرارة كانت فيه فظهرت عند الحك، لولا ذلك وإلا كان يجب متى حككنا الجليد بعضه ببعض أن يحدث هناك حرارة، لحصول السبب وزوال الموانع.
  فصح بهذه الجملة أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، وأنهم هم المحدثون لها على ما ذكرناه، فعلى هذا يجري الكلام في هذا.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن هذه التصرفات يخلقها اللّه تعالى فيكم مطابقا لقصودكم ودواعيكم بمجرى العادة، لا أنها متعلقة بكم تعلق الفعل بفاعله. قيل له: إن كل اعتراض لا يثبت إلا بعد ثبات ما اعترض به عليه فهو فاسد، لأنه إن صح ذلك المذهب المعترض عليه فالاعتراض عليه فاسد، وإن لم يصح فالاعتراض لا يثبت أصلا، وهذا الاعتراض من ذلك القبيل، لأن ما لم نعلم المحدث في الشاهد، لا يمكننا أن نعلم المحدث في الغائب، فإن الطريق إلى إثبات المحدث في الغائب، هو أن هذه التصرفات محتاجة إلينا ومتعلقة بنا في الاحتياج إلى محدث وفاعل، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل.