شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

صفحة 243 - الجزء 1

  الجزاء على ما يخلقه فينا قبيحا.

وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.

  ومن ذلك، قوله تعالى: {وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}⁣[النساء: ٧٩] وقوله: {وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}⁣[الحديد: ٨] فلو لا أن الإيمان موقوف على اختيارنا وإلا كان لا يستقيم هذا الكلام، ويجري مجرى أن يقول لهم: ما لهم لا يسودّون، وما ذا عليهم لو اسودوا؟ وذلك مما لا يجوز. وكان للخصم أن يقول: أنت الذي منعتني عن الإيمان بأشد منه، لم تخلقه فيّ وخلقت فيّ ضده الذي هو الكفر.

فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ.

  ومن ذلك، قوله تبارك وتقدس وتعالى: {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩}⁣[المدثر: ٤٩] وذلك إنما يصح إذا لم يكن الإعراض من قبله، فأما إذا كان هو الذي منعهم عن التذكرة وخلق فيهم الإعراض عنه، فلا وجه لهذا التوبيخ والسؤال.

فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ.

  ومن ذلك، قوله: {فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف: ٢٩] فقد فوض الأمر في ذلك إلى اختيارنا. فلو لا أن الكفر والإيمان متعلقان بنا ومحتاجان إلينا، وإلا كان لا معنى لهذا الكلام ولتنزل منزلة قوله: من شاء فليسود، ومن شاء فليبيض، فكما أن ذلك سخف لأن الاسوداد والإبياض غير متعلقين بنا، كذلك في مسألتنا.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ.

  ومن جملة ذلك، قوله تعالى وتقدس: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}⁣[التغابن: ٢] أورد الآية على وجه التوبيخ، وذلك لا يحسن إلا بعد احتياج الكفر والإيمان إلينا وتعلقهما بنا، وإلا كان ذلك بمنزلة أن يوبخ أحدنا على طول قامته وقصرها، فيقال: قد أنعمنا عليك وصنعنا بك وفعلنا، فقصرت قامتك أو طالت.

وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا.

  ومن ذلك، قوله تعالى وتنزه: {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا}⁣[ص: ٢٧] نفى اللّه تعالى أن يكون في خلقه باطل، فلو لا أن هذه القبائح وغيرها من التصرفات